كان ثامر يحلم بالزواج،مثله مثل غيره من الشباب،إلى
أن استقر هذا الطموح في نفسه وبدأ يعمل بجد ليلا
ونهارا،لكي يتمكن من الزواج ويعيش حياة زوجية
سعيدة ،ويرزق بأطفال بارين به ومحبين له،وفعلا
ظل يجتهد ويثابر حتى تمكن من جمع الكثير من
الأموال،وبناء بيت صغير وجميل في وقت قصير
جدا،و لم تبق إلا العروس التي لم يطل البحث
عنها،وقد وقع الاختيار على ابنة تاجر كبير يملك
العديد من المحال التجارية لبيع الملابس ،والأثاث،و
الأواني المنزلية...إلخ
فوافقت عليه على الفور،مضت عشر سنوات وقد رزق
الله ثامر بطفلتين جميلتين إحداهن في التاسعة
من عمرها والأخرى في السابعة ،كانت في
السنين الأولى كل الأمور تمر على خير مايرام،إلا أن
أخذت تنحدر وتنساق نحو مجرى آخر،كان ثامر خلالها
قد تغير للأسوء،وبدأ كل شيء في حياته رويدا رويدا
ينقلب رأسا على عقب،لأنه بدأ يسلك طريقا خطيرا جدا
ألا وهو طريق المخبرين،فقد كان عميلا سريا بارعا من
الدرجة الأولى،حبه لفعل الخير وخدمة شغلته كثيرا عن
أهله وأحبابه،وكثرة وجود الخبيثين من حوله في عمله
والمنافقين الذين فاقت أعدادهم العشرات،جعلته يتغير
لشخص آخر لا يثق أبدا في أي أحد ويتعامل مع
الجميع بحذر،ومهارته وإخلاصه لعمله خلف له الكثير
من الحاقدين والحاسدين،والكثير من الأعداء،مما جعله
يزداد في الحيطة والحذر والقساوة في المعاملة،فكان
شغله الشاغل عمله كمخبر،وسفره وترحاله،فمضت
السنون ولم يشعر بأنها تركض،وبأنه قد نسي قرتا
عينيه ابنتيه الصغيرتين،وبدأت زوجته تنزعج منه ومن
عمله،وبأنها قد فقدته كثيرا هي وابنتاها،ولكن لا حياة
لمن تنادي،حتى قررت أن تطلب الطلاق لتعيش مع
شخص آخر لا يشغله عمله عنها فينساها،ولا زالت به
حتى تطلقا،وذهب كل حي في طريقه،وبعد العشر
سنوات،تحرك في نفس ثامر إحساس الأبوة لأول مرة
عندما كان مع صديقه المخبر ،الذي رآه قد خصص وقتا
لرؤية أهله فسافر خصيصا لأجلهم وكانت البلدة لا تأخذ من الوقت للسفر إليها ساعة ونصف بل أقل فكان قد أصر
على ثامر بأن يحضر معه،وفور وصولهما لاحظ ثامر مدى
المحبة والمودة بين صديقه وعائلته،ورآه كيف يحتضن
زوجته وابنته الصغيرة،والدموع تسير نهرا من عيونهم،
حينها فقط تحركت في نفس ثامر مشاعر
الأبوة،واشتاق لمن لم يراهن منذ أن كانتا صغيرتين،
أرخى الليل سدوله،وثامر يبكي بحرقة لأنه فرط في
جنب ابنتيه،وأنه أهملهما وأهمل أمهما ولهذا تخلت عنه
فلم يغمض له جفن لمدة ليلة كاملة،وبعد أن أنهيا هو
وصديقه الزيارة،فكر في طريقة ليصل بها إلى ابنتيه
حتى وإن لم يقابلهما،وبسبب ظروف العمل والضغط
الذي فيه لم يتمكن من السفر إليهن،ولكنه وجد من
يكون كواسطة فيما بينهم وهو شقيق زوجته،والذي
هو أيضا كثير السفر ولكن سفره للسياحة لا لأجل
العمل،فبحث ثامر عن رقمه عن طريق السؤال عنه و
عن أحواله حتى وصل إليه، واتصل به وطلب منه اللقاء
والتقيا ،وطال الحديث بينهما كثيرا حتى البكاء،ولأن
شقيق زوجته فطن كان يحمل معه صورة لابنتي ثامر
أعطاها،ففاضت مشاعر الحنان والشوق بداخله حتى
تفجرت،وأخذ الصورة إلى حضنه،واتفق مع شقيق
زوجته،على أن يتقابلا في كل مرة ،وفي كل لقاء
يشتري ثامر الكثير من الهدايا لابنتيه،ورسالة كلها
محبة وشوق مجهولة المصدر،بالإضافة إلى الكثير
من الأموال التي تكفي للعلاج،وتكاليف الدراسة وكل
شيء،وحتى زوجته لم تكن تعلم بأن كل هذا من ثامر
فبقي سرا يفيض بالمحبة والشوق،وكانتا الابنتين
كلما تأتيهم الهدايا من خالهم كنا يفرحن كثيرا،وأحببن
صاحب تلك الهدايا المجهول،فأصبح لا يفارق خيالهم
ولا حتى أحاديثهم،فهل ياترى سيكون هناك لقاء؟؟.