الابتلاء، وهذا معنى واضح جداً، فالله سبحانه وتعالى يبتلي من شاء، وقد يبتلي بالشيء أو بضده.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
وكم من إنسان ابتلي بالمال وآخر ابتلي بالفقر، وهذا ابتلي بالصحة وآخر ابتلي بالمرض، والعبرة ليست بذات الحال، وإنما برد فعل الإنسان تجاهها، فالمريض مثلاً الذي يقول:
لك الحمد مهما استطال البلاء ومهما استبد الألم لك الحمد إن الرزايا عطاء
وإن المصيبات بعض الكرم
ألم تعطني أنت هذا الصباح
وأعطيتني أنت هذا السحر
فهل تشكر الأرض قطر المطر
وتجزع إن لم يجدها الغمام
هذا المريض نجح في الاختبار، لكن أن يعافى الذي يقول: إنما أوتيته على علم عندي، ويرى أن قواه وقدراته وطاقاته هي محض إنجاز وعمل له لا فضل لأحد فيها؟ هذا أخفق في الاختبار.
إذاً: قضية الابتلاء والصبر والرضا، والإيمان بالله سبحانه وتعالى الخالق، والإيمان بالقضاء والقدر، واحتساب الأجر والثواب، هذه معاني عظيمة ومستحضرة جداً، سواءً أدرك الإنسان الحكمة أو لم يدركها، إلا أن استشعار الابتلاء والرضا والصبر له معنىً عظيم، قد يدرك الإنسان الحكمة فيما يخصه.
فمثلاً إنسان كان يطلق بصره دائماً وأبداً، فينظر إلى ما حلل وما حرم، وإلى الصور الجميلة، ويدخل على المواقع الالكترونية الإباحية، ويستحلي أشكال النساء في الشارع وفي الشاشة وفي كل مكان، ثم أبتلي بالعمى، فهذا أحياناً قد يقع عنده في خصوص حاله الشخصية استشعار أنه قد يكون هذا رحمة من الله سبحانه وتعالى؛ لأن كل الوسائل استنفذتها وحاولت وامتنعت وبذلت جهداً، ولكنني في كل مرة أفشل وأعود، فربما الله سبحانه وتعالى رحمني بأن أعجزني عن ذلك ووقاني منه، هذا قد يكون لا نقول: إنه بالضرورة أدرك الحكمة لكنه تلمس جانباً من الحكمة، وقد يكون الكثيرون ليسوا كذلك، ولهذا لا يدركون بالضبط ما هي الحكمة في كوني أنا من بين إخواني أو من بين جماعتي لا أبصر، فهنا تكون القضية قضية أنه -وإن لم يدرك الحكمة- إلا أنه يعرف أن الابتلاء وارد، وأن الصبر يجعل المصيبة نعمة بالنسبة للعبد