الأرواح جنود مجندة
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف».[1]
لقد استقرت حكمة الله – عز وجل – في خلقه وأمره على وقوع التناسب والتآلف بين الأشباه، وانجذاب الشيء إلى موافقه ومجانسه، وهروبه من مخالفه، ونفرته عنه كل ذلك بالطبع كما يقول ابن القيم رحمه الله.
ويرى أن سِر التمازج والاتصال في العالم العلوي والسفلي، إنما هو التناسب والتشاكل، والتوافق، وسر التباين والانفصال، إنما هو بعدم التشاكل والتناسب، وعلى ذلك قام الخلق والأمر، فالمثل إلى مثله مائل، وإليه صائر، والضد عن ضده هارب، وعنه نافر، وقد قال تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189] فجعل سبحانه علة سكون الرجل إلى امرأته كونها من جنسه وجوهره. مما يدل على أن العلة ليست بحسن الصورة، ولا الموافقة في القصد والإرادة، ولا في الخلق والهدي، وإن كانت هذه أيضا من أسباب السكون والمحبة.[2]
مما يذكر في سبب هذا الحديث – ولبعض الأحاديث أسباب كما أن لبعض الآيات أسباب نزولء : أن امرأة بمكة كانت تضحك الناس، فجاءت إلى المدينة، فنزلت على امرأة تضحك الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة» الحديث.[3]
وتجاذب الأشكال واتساقها يسري كذلك في الأحكام يقول ابن القيم: شريعة الله سبحانه وتعالى اقتضت ان يكون حكم الشيء حكم مثله، وأنها لا تفرق بين متماثلين أبدا ولا تجمع بين متضادين، ثم يقول: ومن ظن خلاف ذلك، فإما لقلة علمه بالشريعة، وإما لتقصيره في معرفة التماثل والاختلاف، وإما لنسبته إلى شريعته ما لم ينزل به سلطانا، بل يكون من آراء الرجال، فبحكمته وعدله ظهر خلقه وشرعه
وبالعدل والميزان قام الخلق والشرع، وهو التسوية بين المتماثلين، والتفريق بين المختلفين.
ومعنى الحديث: (الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف) أن تعارف الأرواح لأمر جعلها الله عليه وقيل إنها موافقة صفاتها التي جعلها الله عليها وتناسبها في شيمها، وقيل تآلفها هو ما خلقها الله عليه من السعادة أو الشقاوة، فإذا تلاقت الأجساد في الدنيا ائتلفت واختلفت بحسب ما خلقت عليه فيميل الأخيار إلى الأخيار والأشرار إلى الاشرار.[4]