سر البئر

كنت يوما جالسا بجانب جدتي وانظر لبياض شعرها وابتسم من منظره الفضي الجميل وانتبهت هي الي ونادتني ان اقترب اقتربت منها واخذت باذني وامسكتها قائلة لماذا تضحك يا مشاكس ضحكت من ردة فعلها وانا اقول اضحك على سلاسل الفضة التي اراها وضحكت بدورها وهي تضمني بلطف تعودته منها
قالت لي تعال يابني ساحكي لك اليوم قصة جميلة ستحبها
ونمت في حجرها كعادتي وانا طفل وبدأت تتكلم وعيونها تسرح بعيدا الي زمن بعيد من قلبها قريب وانا سافرت معها بخيالي وهي تتكلم عن يوم
جاء فيه شاب اسمر وسيم بشارب خفيف واسنان ناصعة راكبا فرسا اسود تلمع في وهج الشمس وقف بجانب نبع الماء الذي تقف عليه بنت جميلة بيضاء مستديرة الوجه براقة العيون فاقت رفيقاتها طولا وجملا ونظر لها الشاب باعجاب وسلم وسأل المجموعة وهو يوجه نظره لها وكانه يسالها هي ليسمع صوتها الذي كان جميلا ايضا اين بيت المختار؟ ردت بسرعة ونسيت انها بين رفيقاتها ونسيت خجلها وكانها تعرفه منذ زمن خوفا ان تسبقها احداهن بالجواب
انه ابي وانا ادلك علي بيتنا ومشي اماهما ممسكا بزمام فرسه وهي توجهه وتنظر لمشيته التي شابهت مشية الاسد
حتى وصلا الي بيت ابيها الذي وقف عندما رئا الفارس والفرس وابنته ورحب بضيفه وتوارت الصبيه في خيمتها لتستمع لحديث ابيها مع الشاب الذي قال ياعم جئتك برسالة من والدي فرد عليه المختار يابني لم لا تؤجل الرسالة لبعد ماتأخذ واجب الضايافة
رد الشاب اني على عجلة من امري واعدك ياعماه ان اتي قريبا جدا ولكن برفقة ابي
وسلم الرسالة وركب فرسه بسرعة الريح وشاركته فرسه فرحته لقد رئي اليوم
ملاكه الذي حلم به دوما واحبها وخفق قلبه عاليا ونظرت الفتاة خلفها لتجد امها تراقبها بابتسامة عتاب لانها تسترق السمع ونادتها قائلة لماذا تتنصتين وهذا لم اعهده منك توردت وجنتاها بلون احمر وذهبت من امام امها
وعاد الشاب لوالديه ليخبرهم بما حدث معه وتكلم مع ابيه في خطبة الفتاة وفرحت
الام ولكن الاب تجهم وجه واشاح بوجهه عن ولده واستغرب الشاب من فعل والده وسال مستغربا ماذا يا ابي
لماذا لا اراك سعيدا الم تقول لي انك تنتظر اليوم الذي اطلب فيه الزواج بفارغ الصبر اجابه الاب ولكن يابني لقد اعطيت عمك كلمة اليوم في زواجك من ابنته
وانا لم اكن في علم الغيب لاعلم ماحدث معك وكنت متاكدا انك لن ترفض ابنة عمك
تكلم الشاب من وسط ذهول وحزن
والله يابي ان ابنة عمي زينة البنات ولو قلت لي بالامس لكنت الان اسعد شاب
ولكن يابي لا استطيع ان......
وقبل ان يكمل نظرله ابوه بنظرة حزن قائلا واخسر عمك وتبدأ مشاكل لا تنتهي
وتظيع هيبة ابيك خرج الشاب من المضافة مسرعا وركب فرسه لتشق الريح بلاهدف ولا عنوان ولفه الليل بسكونه وجلس بجانب فرسه ينظر للنجوم ويتذكر وجه حبيبته ويعلم تمام اليقين انه وعدها بحبه وعدته بحبها ان حدسه وقلبه لن يكذبان عليه وكانت صورة ابنة عمه تخترق المشهد في كل لحظة وعاد الي البيت نائما على فرسه وانطلق له والده ظانا انه ميت وانزله محموما وغائبا عن الوعي واستمر يومين دون ان يفيق او يأكل شئيا
وبعد ان يئس والديه منه ومن شفائه
تكلم اخيرا بصوت واهن ابي اذهب لعمي وقل له انا سنأتي غدا لنخطب ابنته ولكن يا ابي لي شرط فنظر له الاب مستغربا ومتلهفا لمعرفة الشرط تكلم يابني قال ان اذهب وأراها مرة اخري وبعدها اعود واتزوج نظر الاب الي زوجته ثم اطرق رأسه وقال اذهب يابني
وفي صباح اليوم التالي ركب فرسه يسابق بزوغ الفجر ليقف جانب البئر ينتظر حبيبته ليراها لاخر مرة
واتت بلا معاد وحدها تسير وخفق قلبه ولم يستطع ان يتواري بل ظل مكانه متسمرا
وعندما اقتربت انشد قائلا
ياصنع ربي قد كنت حرا قبل ما اراكي للشمس ندا
واني اخاف الموت قهرا ان كنتي لغيرى سلوى ومهدا
فاقتربت منه وقفت بجانبه وانشدت
ياقلب روحي فداك عمرا انقضت ايامه قبلك لم تعدا
قلبي وهب نفسي لك مهرا فتقطعت وتساقطت لك سهدا

قال لها اني ياسيدتي قد صرت لك من يوم ان ملكتي مني كل شئ فصرت لا ارى ولا اسمع الاكي وصورتك لا تفارقني شئيا
قالت له والله انك لم تفارق البال لحضة من يوم رئيتك ولكني اليوم سيكتب كتابي على ابن عم لي وما اراك الا قد تأخرت وكتب علي ان اعيش مع رجل لم يختاره قلبي ولا احب ان اشاركه بقية عمري فرد عليها والله اني تأخرت كثيرا واعرف اني قتلت قلبين وان بقيت هنا ساقتل قلبين اخرين واقتربت البنات الاخريات للسقاية فركب فرسه وانطلق يترك العنان للفرس لتاخذه اينما تحب انطلق بقلب محطم ومشاعر ليس لها ايا وصف من المشاعر
وعاد لاهله وكتب كتابه على بنت عمه وبعد اسبوع ذهب معها للسوق لتشتري جهازها وشائت الاقدار ان يلتقي بحبيبته في نفس المكان وكانت تمسك بثوب زاهي الالوان ولما وقعت عيناها عليه تركت الثوب من يدها وهي ترتجف وانطلقت من المحل تسابق خطاها خطا ابن عمها وضل حبيبها واقفا لا يتحرك من مكانه
وعاد بابنة عمه لابيها وقال لها هنا اخر المطاف وانا ساذهب لم تفهم معنا لكلامه ولم يمهلها لتفهم وانطلق على فرسه يقصد بيت حبيبته بلا هدف او حتى رويه وانه كان للمنتحر اقرب وسقط ارضا من على فرسه لاول مرة منذ عرف الركوب وتدحرج في الرمال وبقي ثلاق ايام بلا وعي تدفنه الرمال رويدا رويدا
حتى مر رجلان بفرسان وجداه ملقى ضناه ميتا فاقتربا ليجداه بالكاد يتنفس وضعا الماء على شفتيه وحملاه الي بيوتهم واستقبلهم المختار فزعا من هذا واقترب ليكشف عن وجهه قائلا والله اني عرفت انه هو وادخله بيته ليجلس جنبه وينظر له
ويقول لو اعلم من فعل بك يافارس قومك هكذا
رد وكان الروح ردت فيه ينشد بيتا
لو تمزقت مني الشرايين والضلوع
فداها ولا ارى يوما لها دموع
بكى الرجل متاثرا من هذا المنظر وهذه اللوعة ومسح بيده على جبينه وانشد يقول
لعمري لو ملكت لها امرا اوخضوع
لامهرتها لفارس حرته لاتجوع
وسمع ماقسم ظهره بيت اخر من داخل البيت تنشده ابنته وهي تسمع وتر ى حبيبها ملقى بحجر ابيها
الحرة حرتك وبالشرف تعطرت
ولغير حبيب في حجرك ما تهئيت
قام الاب من مكانه ودخل الي ابنته وقال لها ما اسمع ردت قائلة يابي ان كنت لي بائعا فانا جاريتك وان كنت لي شاريا فانا ابنتك ان زوجتني لابن عمي ساكون له كانية بيته ولن اغضبه ماحييت ولن اكون من تخذل اباها قاطعها ابيها قائلا ولكن متى احببته قالت والله يا ابي لو كان بيدي لطعنت قلبي طعنتا تنسيه وتدميه واني الان بين يديك فافعل ماتشاء وضع الاب راسه بين يديه وهو يقول ولكن كتابك قد كتب ومالي حيلة بعداوة اقاربي
وسمعا صوتا واهنا من خلفهم ينادي اي عم والله اني تركت بنت عم لي خلفي عروس ولا اريد دنياكم ان اردتم لي صنيعا فادفنوني جنب بئر الماء وتهيل على التراب بيديها وهو يشير لحبيبته بكى الاب وبكت البنت وارسل الاب لابن اخيه وقال له اي ابن اخي ان لي عندك طلبا واحد واعطيك كل مالي وتكون من بعدي زعيم ربعك ما انت فاعل ؟
اجابه ابن اخيه
اطلب روحي ياعم واقدمها رخيصة وتبقى سيدنا قال له طلق ابنتي وازوجك من اردت غيرها من النساء
فقال له ياعم ما اطلقها الا بشرط قال له وما شرطك قال ان تخبرني بالقصة كلها فاخبره عمه بالحكاية كلها
فاطرق راسه قليلا ثم قال له اي عم ابنتك اختي واني اطلقها راضي النفس وسعادتكم تهمني
وارسل المختار لوالدي الشاب واتى بهما وارسل لعمه وابنته واعلن لهم الزفاف وطلق ابنة عمه ايضا ليشاء الله ان تتزوج من ابن عم حبيبته وكان عرسا جمع العوائل كلها
واخذ حبيبته وعروسه وعاش معها جنب البئر عشر سنوات ساد فيهن ربعه وعشيرته بعد والده وفي يوم ركب فرسه وهو ينظر لزوجته ولده في يدها مبتسما لهم وهي تودعه بكف يدها وكان يريد ان يجمع العوائل كلها على مختار واحد ولكن سقط الفارس ميتا وهو ينظر لها القت وليدها على التراب وجرت لتحتضنه بذراعيها وتبكي على شاب وفارس وروح وقلب
ودفنته جنب بئر المياه لتهيل عليه التراب بيديها وتبكي وظلت جانبه الي
ان رحل اهلها ورحلت معهم
واستيقظت من الحلم الذي ترويه جدتي على دموعها تغرق جبيني ونظرت لها متاثرا تكاد العبرة تخنقني
اتعرفيه يا جدة ؟
بكت بصوت مرتفع وهي تخفي وجهها وتقول انه جد ك ياولدي وبكيت مع جدتي طويلا وانتهت قصة جدتي

وعلمت الان لم تاخذني جدتي الي بئر الماء وتظل هناك ساعات طويلة ولم تكن تجعلني ابقى معها وها انا عرفت اليوم سر البئر .

هلا وغلا بالعراب
سر البئر Images?q=tbn:ANd9GcR2DkCChmhpsASyMTnFIkIZy48Tm1kC2mtTqw&usqp=CAU