في مطلق مفاهيم الصراعات الوجودية، لم يٌكتب لغازٍ أن نالَ من ضحيته، أنّى كانت قوّته التي تُهيئ له أن في المُستطاع ضرب الضحية بمقدّسها التاريخي، بمحمولاته الدينية والروحية، وهو ما كان وما يزال دافعاً لفكرة نفي فلسطين من التاريخ، بصفتها محجاً فكرياً للاحتلال الذي وطّأ لحرق المسجد الأقصى المبارك قبل 53 عاما.
وتعمل إسرائيل على إدامة جريمة إحراق المسجد الأقصى، تلك الجريمة التي تصادف ذكراها يوم غد الأحد، إذ تتواصل بإجراءات ليس أبشعها الاقتحامات اليومية لساحات المسجد، بل وبالمجازر الدموية التي ترتكب على أرضه، وكذلك الحفريات العبثية وشبكة الأنفاق التي تنفذها تحت أساساته، مما أدى إلى انهيارات في ساحاته وتصدعات في جدرانه، ما يؤكد أن إسرائيل ماضية في تنفيذ مخططها العلني ضد المسجد الأقصى، مما يُحمّلُ الأمةَ مسؤوليات استثنائية في الدفاع عنه.
وكما هي طبيعة رد الفعل الآني، فقد أدت صدمة إحراق الأقصى إلى تكاتف عاطفي ومعنوي في العالم الإسلامي، فنجح الأردن بالتعاون مع العالم العربي والإسلامي في استصدار قرار من مجلس الأمن بإدانة "إسرائيل"، لكن الانعكاس الأبرز هو أن إحراق الأقصى دفع إلى إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، التي هي أكبر منظمة تمثيلية للمسلمين في العالم، وذلك بحسب دراسة علمية محكمة بعنوان (إحراق المسجد الأقصى 1969 وتأثيره على العالم الإسلامي كما تناولته الوثائق البريطانية) للدكتور محسن محمد صالح، والمنشورة ضمن إصدارات مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات لعام 2020.
بناء على القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، فإن شرقي القدس أرض محتلة من قبل "إسرائيل" بشكل غير قانوني، وليس من حق قوات الاحتلال أن تنتهك الحقوق والحريات المدنية لفلسطينيي شرقي القدس، ولكن على الرغم من ذلك، قامت السلطات الإسرائيلية في 11 من حزيران عام 1967 بتدمير حي المغاربة، وهو وقف إسلامي ملاصق للقسم الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى، وتحويله إلى ساحة لليهود يتجمعون فيها لزيارة الجدار الغربي للمسجد الأقصى، أو ما يطلقون عليه اسم "حائط المبكى"، وفقا لدراسة صالح.
وفي 27 من حزيران من العام ذاته قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإجراءٍ أحادي الجانب، بتوحيد شرقي القدس وغربي القدس تحت إدارتها المدنية لتبدأ بعدها مخطط حفرياتٍ مكثف وهادئ في جنوب المسجد الأقصى وجنوبه الغربي.
واستمرت إسرائيل في مخطط التهويد الممنهج لمدينة القدس بلا هوادة، ضاربة بعرض الحائط معارضة واستنكار المجتمع الدولي، وقد أدى التجاهل الإسرائيلي الصارخ إلى ظهور مخاوف حقيقية حول مستقبل مدينة القدس، وفي ظلّ هذه الأجواء القاتمة وقع إحراق الأقصى.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان،  إن إسرائيل تتعمد الاستمرار يومياً بسياستها الاستعمارية في الأراضي العربية المحتلة، وهي سياسة عنصرية (ابرتهايد) هدفها تهويد فلسطين والقدس بتشريد أهلها وفرض أمر واقع إحلالي يقوم على الاستيطان والأسرلة، وطمس للهوية التاريخية الفلسطينية والقضاء على رموزها الثقافية والتاريخية، منها رمزية المسجد الأقصى المبارك ومحتوياته ومنها منبر صلاح الدين الأيوبي، الذي يتضمن رمزية النصر والفتح الصلاحي للمدينة إلى جانب رمزية الهوية الإسلامية للمسجد الأقصى.
وأشار إلى أن الاحتلال وتحت نظر الإعلام وصمت الشرعية الدولية يمارس في فلسطين المحتلة أشكالا بربرية مختلفة من الاعتداءات والجرائم، ويشن معها حملة متواصلة من التضييق على أهلنا في فلسطين والقدس.
وأضاف أن الخطير في أيديولوجية الانتهاكات الإسرائيلية أنها تستند في الترويج لسياستها الاستعمارية البغيضة إلى الأكاذيب التاريخية والروايات التلمودية والأساطير الدينية المختلفة، والتي تهدف من خلالها إلى تأكيد الاستعمار والإصرار على مخطط هدم المسجد الأقصى من أجل بناء ما يسمى الهيكل المزعوم على أنقاضه، إذ تمهد إسرائيل إلى خطوة الهدم باقتحامات المستعمرين (المستوطنين)، وبمشاركة ورعاية مباشرة من الحاخامات والمتطرفين اليهود ومنظمات الهيكل المزعوم التي تزيد على 80 منظمة متطرفة، وبحماية مكثفة من شرطة الاحتلال بحجة حرية ممارستهم للطقوس التلمودية.
وبين كنعان أنه تتزايد الاقتحامات بالتزامن مع الأعياد اليهودية التي ألبست لباساً سياسياً واضحاً خدمة للمشروع الصهيوني واقتحامات المئات للمسجد الأقصى المبارك في ذكرى ما يسمى خراب الهيكل المزعوم وبالتزامن مع العدوان على غزة دليل على وحدة المشروع والغاية الصهيونية.
ولفت إلى أن الأمة تستذكر بألم شديد إحدى الحلقات المؤلمة من مسلسل الوحشية الإسرائيلية ضد أهلنا ومقدساتنا في فلسطين والقدس، وضد أكثر من 8ر1 مليار مسلم في مختلف أرجاء العالم تمثل لهم القدس ومسجدها الأقصى قبلتهم الأولى ومسرى نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام، وهي ذكرى إحراق المسجد الأقصى المبارك في 21 من آب 1969 على يد المستوطن الصهيوني المتطرف مايكل دينس روهان، وهو عضو في تنظيم (بيت أي) المتطرف.
وقد أسفر هذا الحريق عن دمار كبير في المسجد القبلي وإحراق لمنبر صلاح الدين الأيوبي التاريخي في داخله، الذي كان قد أمر بصنعه في حلب القائد نور الدين زنكي لكنه توفي رحمه الله قبل نقله إلى القدس فأكمل المهمة القائد صلاح الدين الأيوبي عند تحريره مدينة القدس، وفقا لكنعان.