همس الأمل

همس الأمل

بثوبها الأسود الملكي ,تمشي بخيلاء وسط ذاك الجمع الغفير من الناس من ذوي الطبقة المخملية ,الذين جاؤوا ليباركوا لها نجاح صدور كتابها الأخير..
بكل شموخ تقف بينهم تتلقى تبريكاتهم لها وابتسامتها الفاتنة تزيدها جمالا وألقا..
تبتسم لهم ..وطعنات بداخلها تتزايد ..وخيبات تتوالى ..من حياتها معهم
لتسرح بعيدا عنهم ..هناك حيث كانت حياتها السابقة يغشاها الأمن وتسودها الطمأنينة وتتغشاها السكينة ,هناك حيث بيت جدتها ,آه يا جدتي كم اشتقت إليك ,كم اشتقت لحضنك الدافئ كم اشتقت لجلساتنا معا وحكايتك الجميلة وتوجيهاتك لي ,كم اشتقت لذهابنا معا لحلقة التسميع في مسجد الحي ,حيث الرفقة الصالحة ,كم اشتقت بيتنا المتواضع وغرفتي الجميلة وذكرياتي وأحلامي فيها وأملي الموعود ..
لقد كنت سعيدة بحق كنت أبتسم بصدق ..
إلا أن كل ذلك زال في لحظة بفضل والدي..نعم إنه والدي الذي تخلى عني منذ ولادتي ولم يتذكرني حتى ذاك اليوم المشؤوم ,حيث أقامت جدتي لي حفلا صغيرا في البيت بسبب صدور أول ديوان لي الذي حاز على الجائزة الأولى على صعيد المملكة ,ليكتشف الوالد المصون تلك الدرة المخبأة عنه والتي كان غافلا عنه .
ليأتي في نفس اليوم محملا بالهدايا والكثير من العتب علي أني لم أسأل عنه حتى أنه بكى لأنه يفتقدني وقد ندم كثيرا على مافات وعن تخليه عني وعن وعن ..و لطيبة قلبي وتأثري به وبالشيب الذي غزا رأسه ماكان لي إلا أن أصدقه وأرتمي في أحضانه فمهما كان فهو والدي وانا احتاج حضنه والإحساس بالأمان في كنفه.
لأكتشف فيما بعد لعبته القذرة وكيف أنه لا يريد سوى استغلال تلك الدرة في نظره والربح من خلال شهرتها والحفلات المقامة على شرفها ..لتصبح في يده سلعة رخيصة باسم بارز .
والتي ماكان يثنيها عن التراجع لما آلت إليه إلا تهديدها بجدتها وبأنه سيسجن ابنها الوحيد بتلفيق أي تهمة له ,فهو ذو نفوذ وقد ينفذ تهديده .
أخذت نفسا عميقا لكيلا تتدحرج دمعاتها المكبوتة لتهز رأسها يمنة ويسرة حتى تتمكن من إخفائها وتعود لأداء دورها من جديد ..فكفاها من تلك الذكريات وتذكرها فهي تتعبها كل ليلة حين تضع رأسها على مخدتها الوثيرةتتقاذفها ذكرياتها حتى فجر اليوم التالي..
فجأة ,تعالت نبضات قلبها وارتعشت أوصالها ..أحست شيء غريب يحوم حولها وعطرا مألوفا تعرفه جيدا ,وأحست بزوج أعين تراقبها
التفتت لكنها لم تجد شيئا .
تنهدت وهمست لنفسها ..يبدو أني من كثرة أحلامي صرت أهذي .
لتكمل مسيرها بين الجموع ,فغاصت معهم في عالمهم الذي بات مألوفا لديها ويجب أن تتعايش معه رغبت بذلك أم لا ..
رغم أن قلبها لازالت دقاته تدق بشكل مجنون وهي تهدئ نفسها ..ماذا بك ليست هذه أول حفلة لك ..
وفي خضم همسها لنفسها بدأت كل الأنظار تتوجه للمنصة هناك حيث والدها يتكلم عن ابنته التي يفتخر بها وبانجازاتها وأنه فخور بها ..
وطلب منها الصعود لتلقي بكلمتها هناك وعن المفاجأة التي تحضرها لمتابعيها ومحبيها ألا وهو ديوانها الجديد الذي ستتولى شركة أجنبية ترجمته وتسويقه في الخارج .
في تلك الأثناء وحيث الكل ينتظرها أحست بنفس الرائحة تلفها من جديد وعينين تراقبها لتلتفت بهدوء بخلاف نبضات قلبها المجنونة ..
لتجده هناك ,واقفا بكل شموخ ينظر إليها بعينيه الثاقبتين الملتهبتين كصقر جارح.
لتتزايد نبضاتها وتتلألأ حبات العرق على جبينها, وتحس بأختناق أنفاسها ,لتغمض عينيها وتعيد فتحهما لتتأكد بأن ما تعيشه ليس حلما
لتشد خطواتها المسرعة إليه غير آبهة بالهمسات حولها او لنداء أبيها بل كان هدفها هو
لتقف أمامه متأملة له لدقائق قبل أن تهمس لنفسها.. يإلهي إنه هو نعم هو لم يتغير بتاتا سوى أنه ازداد وسامة عن ذي قبل
لتهمس بخفوت ..هل هذا أنت حقا ؟
ليقترب منها أكثر فيهمس بنفس همسها ..نعم ..هذا أنا ياصغيرتي
لتغمض عينيها ..ياااه كم اشتاقت تلك الكلمة منه
لتهمس بصوت باك..لماذا تأخرت؟انتظرتك كثيرا ..انتظرتك لتأخذني منهم ..لتعيدني إليكم ..لتعيدني لنفسي..
قاطع نحيبها الذي يشطر قلبه لنصفين..وعينه ترسل تحذيرات للواقف هناك المسمى أباها ..ليهمس لها ..وها قد أتيت يا صغيرتي,أتيت لآخذك منهم .أتيت بعد أن أصبحت قادرا على أن آخذك منهم دون أن يكون لهم حق في منعي
لتتكأ على كتفه ..إذا خذني من هنا ..خذني.. لم أعد أطيق البقاء هنا أكثر خذني منهم إليك ..
فأخذ بيدها ليخرجا معا حيث سيارته السوداء وحراسه المطوقين للمكان كله ليمد لها عباءة وغطاء رأس لتبدأ حياتها معه من جديد..
لتأخذها منه مبتسمة هامسة الحمد لله الذي أرسلك إلي..وانطلقا معا حيث شمس الأمل مشرقة تنير دربهم وتحفهم بسكينة تتغلغل في قلوبهم ..

شكرا لك ابو احمد على القصة الرائعة
بانتظار كل ما هو مميز

تقبل تحياتي ومروري

هلا اخي العراب
اسعدني مرورك الطيب
شكرا لمتابعتك