لا يوجد أحد منا لم يرَ أو يُصادف أو يتعامل من قريب أو من بعيد مع أحد الأشخاص المتسولين على مختلف أجناسهم سواء رجال أو سيدات أو أطفال.
فمنهم من يأسرك بكلماته المنمقة التي يحفظها عن ظهر قلب مع صغر سنه، ومنهم من تفاجئك وأنت جالس في مركبتك بقولها: ساعدني أرجوك. ومنهم من يقفن على الإشارات المرورية ويحملن بين أيديهن أطفالاً في 'اللفة' وتُحزنك على حالها بسرد قصة درامية إجتماعية تبكي القلب قبل العين. ومنهم.. ومنهن..
في وسط عمان.. عالم من التسول رهيب وعجيب، فمن متسولة مقطوعة اليدين، إلى متسول يستخدم 'جبيرة' على إحدى قدميه، (طبعا 'قدمه' لم يمسسها سوء)، إلى إمرأة برفقة إبنها 'المعاق' حركياً، إلى شابة منقبة تبيع العلكة أو أدعية صغيرة، إلى رجل يرتدي بدلة أنيقة ويدخن السيجارة ويطالب من يلتقيه بنصف دينار، إلى شابة في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات تستوقفك بقولها: تسمح سؤال.... إلى وإلى.
تعددت طرق التسول ولكن الهدف واحد: جني أكبر قدر ممكن من المال، والعودة بـ 'غلة' آخر النهار يستحق أو تستحق عليها المصافحة والتقبيل والثناء من قبل من يدفعهم لكي يتسولوا.
في وسط عمان.. بالقرب من عمارة الشابسوغ تفاجؤك سيدة مقطوعة اليدين وتُعلِّق في رقبتها 'كيس' من القماش يوضع فيه النقود، هذه المتسولة كما أفاد عدد من المواطنين الذين يعرفونها منذ ما يزيد عن 20 عاما، أصبح لديها عمارات وأملاك، وتعد من أغنى المتسولات في الأردن. وعندما تصادفك 'تتحفك' بصوتها الجهوري (الله يعطيك).
وخطيتك برقبتنا.. لا تعطيها.
في شارع فيصل الممتد من أمام المسجد الحسيني وحتى مطعم القدس، تستوقفك شابة في بداية الثلاثينات من العمر، حيث تبادرك: (تسمحلي سؤال)، فتبتسم لها قائلاً: تفضلي. وتنتفض ماسحاً عن ذاكرتك أي 'غبار' لتجيبها وكأنك في برنامج 'من سيربح المليون'، إلا أنك تنصدم عندما تتفاجأ بسؤالها الذي هو عبارة عن سرد لوضعها المعيشي، وزوجها المريض، وأطفالها الذين لا يجدون مصروف يومهم، لكي تأسر مشاعرك معها وتعطيها ما تجود به نفسك.
فنصيحتنا لك إذا صادفتها.. لا تعطيها.
رجل في الخمسينات من العمر، يرتدي بدلة وكأنه 'وزير بلا حقيبة'، يتجول في محيط 'سوق السكر' بجانب المسجد الحسيني وهو يدخن سيجارته، يستجدي من يتسوقون في هذه السوق بقوله: (إنقطعت من المصاري وبدي أروِّح)، فتنظر إليه وتقول في نفسك 'والله هذا مش شكل شحَّاد'، وتعطيه ما تجود به نفسك.
ويتجوَّل هذا الرجل في السوق في ساعات ما بعد الظهر، واضعاً في عقله مقولة هو مؤلفها 'أطلب الشحدة عند مداخل الأسواق'.
فإذا مدَّ هذا الرجل يده لك.. فلا تعطيه.
شاب في بداية الأربعينات من عمره، يجلس متألماً جراء ما أصابه في قدمه من كسر نتيجة سقوط قالب إسمنتي على قدمه أثناء عمله في البناء، ولا يستطيع الآن العمل بسبب 'الجبيرة' التي سجنت قدمه من بداية أصابعه وحتى ركبته، ولديه زوجة مريضة بالسرطان وولدان أحدهما معاق والآخر صغير السن.. هذا ما يرسمه لك منظره وشكواه لمن يقترب منه.
هذا الشاب يتواجد أمام أحد المحال في شارع الهاشمي، وقد أفاد شاهد عيان يعمل في محل أحذية مقابل موقع هذا 'المتسول'، بأن هذا الشخص قدمه سليمة، والجبيرة التي يضعها عبارة عن منظر لجذب تعاطف الناس.
إذا رأيت هذا الشخص.. لا تعطيه وبلِّغ عنه.
متسولة 'مودرن' في الثلاثينات من العمر، تقف أمام أحد محلات الصرافة في وسط البلد، تنتظرك عندما تخرج من المحل لتعاجلك بقولها: ليك، الله يوفقك تساعدني، أنا وإمي وإخواتي عايشين بالإيجار بـ 150 دينار، وأبي متوفي، وما إلنا معين غير الله والناس الطيبين متلك، ساعدني كرامة الله.
عندها تشعر بأنك أمام متسولة 'لاجئة' لم تقتنع بما تم منحه لها من مساعدات ومعونات، وسابقت أبناء البلد من المتسولين على مهنة كانت منذ فترة غير مقتحمة من الغرباء.
إذا صادفتها، فلا يبهرك كلامها وأناقتها.. ولا تعطيها.
رجل في الأربعينات من العمر ملتحي ويجلس على كرسي متحرك، ملابسه رثة، يُظهر للناس بأنه من 'البؤساء' والمغلوب على أمرهم جراء وضعه الصحي الميؤوس من شفائه كونه يعاني من شلل في أطرافه السفلية (قدميه)، ويعيش في غرفة بائسة في سفح 'جبل النزهة'، تجده يتنقل من مكان إلى مكان في وسط البلد.
ننصحك بعدم الحزن على حاله وإعطائه من مال الله الذي أنعم به عليك فهو لا يستحقه، كونه إنسان سليم ولا يشكو من أي مرض، فهو يشتري بما يجمعه أثناء تسوله 'سجائر' ومشروبات كحولية، والكرسي المتحرك الذي يجلس عليه يستودعه مع ساعات الغروب عند أحد المحلات خلف أحد المطاعم وسط البلد.
إذا صادفته لا تعطيه أي قرش فعائلتك أولى منه.
بعد هذه المشاهدات نقول: تمادى المتسولون بإختراع أساليب جديدة للتسول، لم تكن دارجة على قوائم حتى وزارة التنمية الإجتماعية والجهات الأمنية، ولا يوجد أي رادع ملموس وجدِّي في القضاء على هذه الظاهرة، والتي تستفحل أيام الجمعة وخاصة في وسط العاصمة وأمام المساجد في مختلف الأحياء السكنية. لذا يجب القيام بحملات مشتركة من التنمية والأجهزة الأمنية وأمانة عمان لـ 'وأد' ظاهرة التسول من مدينتنا الحبيبة عمان، من خلال إجراءات حازمة لا لينة فيها ولا تراخٍ ولا واسطات، لتنظيف العاصمة من هذه الآفة.
فتصريحات القبض على مئات المتسولين هي مجرد إجراءات روتينية وليست رادعة أو تحد من هذه الظاهرة، لأن هؤلاء يعودون لممارسة هذا العمل بعد إطلاق سراحهم، بسبب عدم وجود إجراءات حازمة وصارمة بحق المتسول تردعه عن العودة للتسول من جديد.
وكما قال لـ 'جراسا' أحد موظفي مكافحة التسول بأنه لا يوجد لديهم ضابطة عدلية تمكنهم من التحفظ على من يلقى القبض عليهم من المتسولين. مشيراً إلى أنه تم هذا العام القبض على حوالي 4 آلاف متسول في العاصمة عمان من ضمنهم حوالي 700 من جنسيات غير أردنية.
تابعونا هنا 
زائر 
أمس في 14:28 من طرف 
عدد المساهمات
تاريخ التسجيل
موضوع: إذا صادفت هؤلاء الأشخاص.. فلا تُعطِهم 
