الرجل المبارك

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجل المبارك،هو الذي ينشر الخير الوفير متتالياً أينما حل وحيثما كان،وتهفو له القلوب، ووسامٌ تمتدُّ نحوه الأعناق،مفتاح خير،دلاَّل معروف،وسفيرُ هداية، ورسول صلاح وإصلاح،تهتف له الألسنةُ بالثناء، وترتفعُ له الأكفُّ بالدُّعاء بالبركة والبركات،
هو من فتحت له البركةُ أبوابها، فكان مبارَكًا في علمه، وعمله، وعمره، وماله،وذريتة، وبقيةِ شؤون حياتِه،
البركة،هي النماء والزيادة،وتحقيق تقوى الله تعالى،ومراقبته في السرِّ والعلانية،أن تخشى الله،مستشعراً رؤياه لك، وإحاطته بك، فيستقيم حينها لسانُك، ويصلحُ بعدها عملُك،وأمورك،وبقدر تحقيق كلمة التقوى تصاحبك معية البركة،
قال تعالى(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)فاطر،
لن تضيق أرض على عبد اتَّقى الله،ولن يضيق عيشٌ على عبد عرف مولاه،وسترى حينها وبعدها بركةَ اللهِ عليك،
قال،ابن القيم،إن بركة الرجل تعليمه للخير حيث حل، ونصحه لكل من اجتمع به، قال الله تعالى إخباراً عن المسيح عليه السلام(وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ)مريم،
أي،معلماً للخير،داعياً إلى الله،مذكراً به، مرغباً في طاعته،
والبركة،هي الخير الوفير والنماء،
وقوله تعالىï´؟وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِï´¾أي،من السعداء في الآخرة الذين يستحقون ميراث جنات الخلد، وقد أجاب اللَّه تعالى دعوته، فرفع منزلته في أعلى جنات النعيم،
قال مالك بن دينار،جنّات النّعيم بين جنّات الفردوس،وبين جنّات عدن،
داعياً إلى الله، مذكراً به، مرغباً في طاعته، فهذا من بركة الرجل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة،
وكل آفة تدخل على العبد فسببها ضياع الوقت، وفساد القلب، وتعود بضياع حظه من الله، ونقصان درجته ومنزلته عنده،
بعد ان دعا لأمر في الدنيا ثم لأمر بعد موته دعا لنفسه بجنة النعيم الدائم في الاخرة ولا شك ان ربه،عز وجل،قد أجابه الى هذه فهو من ورثة جنة النعيم بدليل قوله تعالى(وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)البقرة،
وكلمة ميراث الجنة،وردت في القران،في قوله تعالى(أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ،الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُون)المؤمنون،
والميراث ان تأخذ ملكاً من اخر بعد موته،
فكيف تكون الجنة ميراثاً،قال العلماء،ان الخالق،عز وجل،لم يخلق الجنة على قدر اهلها،انما خلق الجنة تتسع للناس جميعاً ان امنوا،
وخلق النار تتسع للناس جميعاً ان كفروا،لانه سبحانه خلق الخلق مختارين من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر،
ومِن أعظمِ وأهمِّ ما نستجلب به البركات،دُعاءُ الله،عز وجل،وسؤاله البركة،فابتهل إلى رَبِّك بنداء خفيٍّ أن يُباركَ لك في عمرك وعملكَ ومالكَ، وأن يوفقكَ للبركة أينما حللت وارتحلت،فقد كان من دعاء قُدوتنا،صلى الله عليه وسلم،في وترِه(وبارك لي فيما أعطيت)
فهذا من بركة الرجل، ومن خلا من هذا فقد خلا من البركة،فإنه يضيع الوقت في الماجريات،
أي،الحوادث والأمور التي جرت أو تجري،وكل آفة تدخل على العبد، فسببها ضياع الوقت وفساد القلب، وتعود بضياع حظه من الله، ونقصان درجته ومنزلته عنده،
ولهذا وصى بعض الشيوخ فقال،احذروا مخالطة من تُضيع مخالطته الوقت، وتُفسد القلب، فإنه متى ضاع الوقت وفسد القلب انفرطت على العبد أموره كلها،وكان مما قال الله فيه(وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)
ومن تأمل حال الخلق،ممن غفلت قلوبهم عن ذكر الله تعالى، واتبعوا أهواءهم، وصارت أمورهم ومصالحهم(فرطاً)أي، فرّطوا فيما ينفعهم ويعود بصلاحهم،واشتغلوا بما لا ينفعهم، بل يعود بضررهم عاجلاً وآجلاً،
وفي هذا حثٌّ اللَّه تبارك وتعالى،لعباده على قوّة الهمم إلى الجدّ في السؤال بهذه الدعوات المباركات،لما تتضمنه من خيري الدنيا والآخرة،
فإنه صار لزاماً عليه أن يفتش عن مواطن الخير في نفسه،وفيما حوله، فيستخرجها ويدل الناس إليها،
وأن يفكر،كيف يكون مباركاً في نفسة ووقتة،
كيف يكون كلامة مباركاً كشجرةٍ طيبة،تؤتي أكلها كل حين، وكذلك في حركاتة وسكناتة،ونواياه وأعماله،
كيف بوسعه أن ينمّي الخير ويدعو للمعروف وسط معارفه
وفي محل عمله،والتنمية والتطوير في مجتمعه،
إن فعل أحدنا ذلك، فمن الممكن أن يكون فرداً مباركاً نامياً أينما حلّ لا منقطعاً أو مبتوراً، يظل كلامه وفعله وتأثيره حاضراً، وتبقى ذكراة طيبة عالية،فالله يبارك كل ما هو موصول بالخير ومنعقد بالإخلاص فيزيده نماءً ويشعّه نوراً ويحيطه بركة،
قال ابن القيم(إنَّ بركة الرجل تعليمه للخير حيث حلَّ، ونصحه لكل من اجتمع به،
والمراد بميراث الجنة، ان الله تعالى أعطى عباده الطائعين الجنة هبة منه سبحانه وتفضلاً عليهم،وليس بعملهم فالجنة جاءتهم كما يأتي الميراث لأهله دون تعب منهم ودون سعي،
وهذا تصديق لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم،في الحديث النبوي(لن يدخل احد منكم الجنة بعمله قالوا ولا انت يا رسول الله،قال ولا انا الا ان يتغمدني،الله برحمته)رواه البخاري في صحيحه،ومسلم،
قالوا فالجنة ميراث لان الأصل انك لا تجازى على الخير الذي قدمته لانه تكليف من الله تعالى،يعود خيره عليك في الدنيا حيث تستقيم به حياتك وتسعد بها وما دام التكليف في صالحك فكيف تأخذ اجرا عليه،كالوالد حين يحث ولده على المذاكرة والجد في دروسه فهدا يعود نفعه على الولد لا على الوالد،
ولا غنى لأحد منا عن فضل لله،لذلك يقول سبحانه وتعالى(قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)يونس،
وينبغي الا تعول على عملك وطاعتك واجتهادك في العبادة،واعلم ان النجاة لا تكون الا برحمة الله وفضل منه سبحانه,
البركةُ كلُّها منَ الله،فهو،سبحانه،بِيَدِه الخير، ومنه الخير، تبارك اسمُه،لا تنقص خزائنُه من كثرة عطائه، وكل نعمةٍ وخيرٍ في الدُّنيا والآخرة، فهي مِن فضلِه وجودِه وكرمِه،
فمَن أراد البركة،فليلزم سبيلها وطريقها،ولا يغلق بابها بالمعاصي،والغفلة،والتبذير،
يا مَن يشكو عدم البركة أو قلَّتها في المالِ أو الوقت، تيقَّن أنَّ الخلل منك وفيك،فحاسب نفسك،واصدق مع ذاتِك،
وتلمَّسوا أبواب الخير والهبات، وتحسَّسوا أسبابَ نزْع البركات لتحذروها وتتَّقوها،

اللهم اجعلنا مباركين أينما كنا،وبارك لنا في أموالنا،وأعمالنا وأعمارنا،وذرياتنا،وأوقاتنا،وارزقنا البركة في كل شئ،بفضلك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين,
اللهم آميـــن.

بارك الله فيك
وجزاك خير الجزاء

هلا بالعراب

دمت بكل الود