ما حكم عدم وفاء الزوج بوعوده مع زوجته؟
لم يكن زوجي أمينًا معي فخالف كل ما اتفقنا عليه؛ سواء في مكان إقامتنا وفي معاملته لي ولأولادنا، كما أساء معاملتي واعتدى عليّ وعلى أبنائي بالضرب أكثر من مرة، كما جعل حياتنا الأسرية مادة للنشر في الصحف وأعطى لهم معلومات مغلوطة عني. فما حكم الشريعة الإسلامية في ذلك؟
تجيب لجنة الفتوى بدار الافتاء المصرية:
أمر الإسلام بالوفاء بالعهد؛ فقال سبحانه وتعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِ}.. [المائدة: 1]، وقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أوْ أَحَلَّ حَرَامًا» رواه الترمذي وصححه.
وبين النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن أحق الشروط بالوفاء هي الشروط الزوجية؛ تكريمًا للزوجة وحفظًا لحقوقها، فقال: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» متفق عليه، والمفتى به في شروط النكاح أن كل شرط تعود منفعته على الزوجة ولا يخالف أصل العقد فهو واجب الوفاء على الزوج، ومن ذلك اشتراط مكان الإقامة، فإن أخل به الزوج فإن ذلك يعطي الزوجةَ الحقَّ في المطالبة بفسخ النكاح، وتثبت لها حقوقُها وافيةً كاملةً.
قال الإمام ابن قُدامة في المغني: «إن تَزَوَّجَها وشَرَطَ لها أَن لا يَتَزَوَّجَ عليها فلها فِراقُه إذا تَزَوَّجَ عليها، وجُملةُ ذلك: أَنَّ الشروطَ في النكاح تنقسم أَقسامًا ثلاثةً: أحدُها ما يَلزَمُ الوفاءُ به، وهو ما يعود إليها نفعُه وفائدتُه، مثل أن يشترط لها أن لا يُخرِجَها مِن دارِها أو بلدِها، أَو لا يُسافِرَ بها، أَو لا يَتَزَوَّجَ عليها، ولا يَتَسَرّى عليها، فهذا يَلزَمُه الوَفاءُ لها بِه، فإن لم يَفعَل فلها فَسخُ النِّكاحِ. يُروى هذا عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وسعد بن أبي وقاصٍ ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وبه قال شُرَيحٌ وعمرُ بنُ عبد العزيز وجابرُ بنُ زيدٍ وطاوسٌ والأوزاعيُّ وإسحاقُ.. لَنا قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم-: «إنَّ أَحَقَّ ما وَفَّيتُم به مِن الشُّرُوطِ ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ» رواه سعيد.
وفي لفظٍ: «إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَن تُوفُوا بها ما استَحلَلتُم به الفُرُوجَ» مُتَّفَقٌ عليه، وأيضًا قَولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «المُسلِمُونَ على شُرُوطِهم»، ولأَنَّه قَولُ مَن سَمَّينا مِن الصَّحابةِ ولا نَعلَمُ لهم مُخالِفًا في عَصرِهِم، فكان إجماعًا.
ورَوى الأَثرَمُ بإسنادِه: أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امرأةً وشَرَطَ لها دارَها، ثُم أَرادَ نَقلَها، فخاصَمُوه إلى عُمَرَ فقال: لها شَرطُها، فقال الرَّجُلُ: إذًا تُطَلّقِينا، فقال عُمَرُ: مَقاطِعُ الحُقُوقِ عندَ الشُّرُوطِ. ولأَنَّه شَرطٌ لها فيه مَنفَعةٌ ومَقصُودٌ لا يَمنَعُ المَقصُودَ مِن النِّكاحِ، فكان لازِمًا، كما لو شَرَطَت عليه زِيادةً في المَهرِ أَو غَيرَ نَقدِ البَلَدِ».
وعلى ذلك فكل ما ذكر في السؤال من نقض العهد وإساءة المعاملة وجعل الحياة الزوجية مادة للنشر في الصحف أمور محرمة شرعًا ومنافية لما علم بالضرورة من دين الإسلام من تحريم الظلم والاتهام بالباطل والفجور في الخصومة، بل بعضها من كبائر الذنوب، وهي لا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا علاقة لها بتعاليمه السامية الكريمة.
والله تعالى أعلى وأعلم