خَصلةٌ ذميمة وخَلَّةٌ مشينة جاء ذمُّها في كتاب الله تبارك وتعالى والتحذير من فِعلها وذمِّ أهلها وبيان ما أعدَّ الله لهم من عقوبات في الدنيا والآخرة ؛ألا وهي : الإسراف ، وفي القرآن الكريم ما يزيد على العشرين موضعاً في التحذير من الإسراف وذمِّ المسرفين .
- فأخبر الله جل وعلا أنَّه لا يحب أهل الإسراف ؛ قال الله تعالى : { وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [الأعراف:31] .
- وأخبر جل وعلا بأنَّ المسرفين هم أهل النار ؛ قال الله تعالى : { وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } [غافر:43] .
- وأخبر جل وعلا أنَّ الإسراف سببٌ لهلكة أهله وحلول العقوبة بهم في الدنيا والآخرة ؛ قال الله تبارك وتعالى : { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء:9] ، وقال تعالى : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } [الإسراء:16] .
- وأخبر جل وعلا أنَّ الإسراف من تزيين النفس الأمَّارة بالسوء وتزيين الشيطان ؛ قال الله تعالى : { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [يونس:12] .
- وأخبر سبحانه وتعالى أنَّ الإسراف موجبٌ للحرمان من الهداية والتوفيق من الله جل وعلا ، قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28] ، وقال الله تعالى : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ } [غافر:34] ، والآيات في هذا المعنى عديدة .
والإسرافُ : مجاوزة القصد وحدِّ الاعتدال ، ولا يختص في باب النفقة كما هو شائع لدى كثيرٍ من الناس ، قال إياس بن معاوية رحمه الله تعالى : «ما جاوزتَ به أمر الله فهو سَرَف» ؛ فالإسراف له صورٌ كثيرة وأنواعٌ عديدة ولا يختص في جانب النفقة والمطعم والمأكل .
وإنَّ أخطر الإسراف وأشنعه : الكفر بالله رب العالمين والإشراك به باتخاذ الأنداد وتكذيب الرسل والنبيين ؛ قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } [طه:127] .
ومن الإسراف : الإسراف في القتل ؛ بأن يُقتل غير القاتل ، أو أن يُتعَدَّى على ذوي القاتل ظلماً وبغيا ، أو أن يُتعدَّى على القاتل نفسه تمثيلاً وتجاوزاً وتعدِّيا ؛ فكل ذلكم إسرافٌ محرم ، قال الله تعالى : { وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا }[الإسراء:33] .
ومن الإسراف : فِعل الفواحش واقتراف الرذائل ، ولذا قال لوط عليه السلام في نصحه لقومه وتحذيره لهم : { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ } [الأعراف:81] ، وقال الله جل وعلا في ذكر سياق حلول العقوبة بهم : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ} [الذاريات:31-34].
وعموماً كل اقترافٍ للذنوب وارتكابٍ للخطايا والآثام فهو من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة .
وأما الإسراف في النواحي المالية والمطاعم والمشارب والملابس ونحو ذلك فبابٌ مشهورٌ معلوم ؛ قال الله تبارك وتعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] .
روى الإمام أحمد رحمه الله في مسنده بسندٍ صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلَا سَرَفٍ )) .
وروى البخاري في صحيحه تعليقا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال : « كُلْ مَا شِئْتَ وَالبَسْ مَا شِئْتَ مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ : سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ »
والإسراف في الأموال والمطاعم والمشارب والملابس هو كلُّ تعدٍّ في هذا الباب سواءً في سبُل تحصيلها أو في طرائق إنفاقها وبذلها ، فكل ذلكم يدخله الإسراف ؛ إذ إنَّ كل تجاوز لحد الشرع في ذلك سواءً اكتساباً لهذه الأموال أو إنفاقاً لها فهو من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة .
فأكل الربا والرشوة والميسر والتحايل على الناس وغشِّهم في البيع والشراء كل ذلكم إسراف في باب اكتساب الأموال .
وكذلك : تناول ما حرَّم الله من مأكل أو مشرب ؛ كتعاطي المخدرات وشرب الخمور وشرب الدخان ونحو ذلك كلُّ ذلك من الإسراف ، فكم من أموال أُهدرت بيعاً وشراءً لهذه المحرمات ، وكل ذلك من الإسراف وصاحبه معرض للعقوبة .
وفي باب الملبوسات كم يقع الناس في صورٍ من الإسراف المحرمة يتعدَّون فيها حدود الله سواءً بلبس ألبسة محرمة في ذاتها ؛ كالذهب والحرير على الرجال ، أو بتجاوز حدِّ الشرع فيها كالإسبال في الثياب ولبس ثياب الشهرة ونحو ذلك ، فكل ذلك من الإسراف المحرم وفاعله معرض للعقوبة .
ومن الإسراف : الإسراف في المناسبات والاحتفالات ولاسيما مناسبات الزواج ونحو ذلك ؛ فكم يقع فيها من صور شنيعة من الإسراف ، ناهيك عما يقع من أفعالٍ محرمة وصورٍ منكرة وهي داخلةٌ في الإسراف وفاعل ذلك معرض للعقوبة .
والإسراف بابٌ واسع يدركه كلُّ متبصِّر ويعرفه كلُّ متأمل .
ألا فلنتقِ الله ربنا جل وعلا ، ولنتذكر أن مردَّنا إلى الله ، وأننا سنقف بين يديه جل في علاه ، وأنَّه سائلنا سبحانه ؛ فلنعِدَّ للمسألة جوابا وليكن الجواب صوابا، وقد دعا الله تبارك وتعالى في آية في القرآن - وُصفت بأنها أرجى آية في القرآن - عبادَه إلى التوبة إليه من الإسراف في كلِّ صوره وجميع أشكاله منبِّهاً عباده أنَّه سبحانه يقبل توبة التائبين وإنابة المنيبين مهما كان الذنب ومهما بلغ الجُرم ؛ قال الله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر:53] ، ومن الدعوات في القرآن الكريم : {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [آل عمران:147] ، وثبت في صحيح مسلم أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم كان يقول بين التشهد والتسليم في صلاته : (( اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ ، وَمَا أَسْرَفْتُ ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ )).
سدَّد الله خطانا أجمعين وأصلح لنا شأننا كلَّه ، إنَّه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 201146 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
موضوع: رد: الاسراف السبت 22 أبريل - 8:22
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 201146 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
موضوع: رد: الاسراف السبت 22 أبريل - 8:29
العراب قلم ماسي
الجنس : عدد المساهمات : 60765 تاريخ التسجيل : 30/09/2013
موضوع: رد: الاسراف الإثنين 1 مايو - 9:36
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 201146 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
موضوع: رد: الاسراف الإثنين 1 مايو - 11:05
اشكرك العراب على مرورك الكريم كل التقدير لك على حضورك ومتابعتك دمت بكل الود