ابنك ليس أنت!
البعض منا لا يبالي بالمتغيرات التي تطرأ على الحياة، فقد شحذ همته ومضى في طريقه وحصر رؤيته ورسم منتهى أمله أن تكون لديه أسرته وبيته وأبناؤه –وما من اعتراض على كل ذلك- بل كلها أهداف سامية تناسب الفطرة السليمة.
إنما تكمن المشكلة حين يُغلف ذلك الحلم الرغبة العارمة والقصد المتعمد لتشكيل أبنائنا ليكونوا على صورتنا التي في أذهاننا.
ونغتر كثيرا بقدرتنا على فعل ذلك في مراحل طفولتهم،ونظن أننا قد وفقنا في وضعهم فيما أردنا من قوالب ويخيل إلينا أن المضي على النهج أصبح يسيرا، فإذا بنا كلما مضت بهم المراحل المتتالية نواجه باتساع الفجوة بيننا وبينهم، وهم ينفلتون من الشرنقة التي وضعناهم فيها.
وتتوالى التساؤلات لماذا يحدث كل ذلك؟ وما هي مواضع الخطر؟ وإن كان ثمة خطأ فما هو، ومتى بدأ؟
ولعلنا باستعراض بعض صور مظاهر تلك الحالات المرضية، نستشف الإجابات التي تُشفى بها الصدور ويُضاء بها الطريق:
الأم مع ابنتها
عندما يضيق أفق الأم وتتبلور كل اهتماماتها حول حياة ابنتها كأنها لم تخلق إلا من أجل أن تكون أمًا معها بما تفهمه هي ومن خلال تجربتها الشخصية، فصاحبتها في أدق التفاصيل ولم تتدارك أن عليها أن تنسحب شيئا فشيئا حتى تشب ابنتها معتمدة على نفسها وتجيد الاختيار، فاذا بها قد ضيقت عليها دائرته فلا رأي إلا رأيها وعلى ابنتها أن تؤدي ما تمليه عليها من أفعال وتتكلم بما تلقنه لها ولا ترى إلا بعين أمها، فتصبح مسخا، فإذا ما أصبحت زوجة، فلا معايير إلا ما توحي به أمها، وبطبيعة الحال تنقلب الحياة الأسرية للإبنة وقد غدت مشاعًا لا أسرار فيها ولا حلول للمشاكل التي تنبثق من اندماج الزوجين في حياتهما اليومية في ذلك الكيان الجديد، وتحسب الأم أن دورها ممتد في تربية الأحفاد والتدخل في كل شؤنهم، فتتسع دائرة الرفض والإنكار وتسوء العواقب.
فرفقا أيتها الأم بابنتك فمع اليقين بحسن نيتك وحرصك على مصلحتها، إلا أن ذلك لا يبرر مسلكك، فهنا يكمن الخطروحياتها الزوجية سينتابها العطب والفشل.
الأب مع ابنته
وكذلك الحال عندما يتدخل الأب في حياة ابنته (فمع التسليم بحبه لها) فهو يريد منها ردود أفعال تتمشى مع صورة ذهنية رسمتها مخيلته إزاء ما تواجهه من مواقف، ويعجز عن إدراك أنه قد أصبح في حياتها رجلٌ آخر هو زوجها ووالد أبنائها، وأن عليه فقط أن يكون عضدا لتلك الأسرة متنعما بأحفاده بما يناسب دور الجد الرؤف لهم.
الأم مع ابنها
تتعلق الأم بابنها عادة منذ صغره "خاصة إذا كان وحيدها"، فتبذل كل ما في وسعها لتشكله عجينة لينة طوعا لنزعاتها، فتصر على التدخل في اختيار شريكة حياته، وتصبح تصرفاتها معه ليست إلى صدى وتعبيرا عن بعض أزماتها النفسية.
واذا بها تحاول جاهدة التحكم في خيوط تلك الحياة فان أرادته قاسيا فليكن وإن لاح لها الإغداق بعطاءاتها فطوبى لمن صفق لها، ولا عذر لمن حاول التملص من سيطرتها، فلها في كل صغيرة حكمها، ولا تمل من التعقيب على تربية أحفادها.
أيتها الأم الغالية لا تتعجبي إن سادت الكآبة حياة فلذة كبدك وسارعي بالمصالحة مع نفسك فمن الخطا أن نحمل غيرنا متاعب مرت بنا أو يدفع احبابنا ضريبة بعض ما نكون قد أخفقنا في تحقيقه في مسيرة حياتنا.
الأب مع ابنه
يتجلى السلوك غير التربوي للأب مع ابنه فهو في محاولة تولى كل أموره واستمرار في معاملته معه على أنه ما زال صغيرًا، والإصرار على أن أسرة ابنه الجديدة ما هي إلا اتساع لدائرة هيمنته وتدليله، وهنا لا مناص من استمرار تقزم الإبن وتقوقعه داخل ذاته المهلهلة.
وأما إن كان الأب ممن دأب على رفض شخصية الابن والقهر المستمر فما أن يتزوج الابن، فيسارع كل منها في الابتعاد عن الآخر، ولا يعد هناك مجالا إلا للأسى والمشاكل.
وتلك همسة في أذن الابوين: حياة أبنائنا ملكٌ لهم، لهم منا الحنان والمساندة وإسداء النصح وتقديم الحكمة في حينها. وعلينا أن نفسح لهم صدورنا ليكونوا أسوياء صالحين وأن نعينهم على برنا، وأن ننعم بأحفادنا
تابعونا هنا 
زائر 
أمس في 13:45 من طرف 
عدد المساهمات
تاريخ التسجيل
موضوع: ابنك ليس أنت 
