عائلة بلا طعــام
يوسف رجل فقير معدم متزوج لديه طفل .. لا وظيفة يملك ولا شهادة .. أيامٌ تمر عليه وأسرته وليس لديه ما يأكله ألا فتات أو قرص شعير ..وأحيانا يساعدونه اشقاءه بإعطاءه بعض المال وبعض الأحتياجات الغذائية .
ألا أنه في أحد الأيام المشؤومة عليه ..إذ تخطى يومهم الثالث دون أن يأكلون شيئا يذكر ..طفلهُ يصيح جوعا ويتلوى خلوة بطنه ..وزوجته هي الأخرى راحت تصرخ عليه لينهض ويتحرك ويذهب ليحضر ما يأكلونه .. قامت تهدده بترك المنزل والعودة إلى دار أبيها الذي عاشت فيه عزيزة مكرمة تأكل أشهى الأطباق وألذ الأطعمة .
خرج يوسف تائها في حيرة لا يعلم لمن يذهب ؟ وماذا يفعل ؟ وإلى من يشتكي ؟ وأي باب يطرق ؟ فمعظم اقرباءه ومن يعيشون في الحي معه يطالبونه بأموالهم التي أستدانها منهم , ذهب على استحياء إلى صديق له يعرفه منذ الصغر .. وعلى مضض ولشدة الحاجة طلب منه بعض المال , وبالفعل لم يبخل عليه صديقه بذلك بل أعطاه مبلغ كبيرا يغنيه لثلاث أيام بـ لياليها ..ثم غادر مودعا أياه وشاكرً ,
ودون تفكير أو تردد ذهب إلى المطعم فرحا سعيدا وأشترى الكثير والكثير من الطعام . وفي أثناء عودته إلى منزله سيرا على الأقدام صادف في أحد الأحياء القريبة من حيهم طفلً صغيرا بائس يبحث في القمامة عن بقية طعام فاسد ربما رماه أحدهم بعد أن أكتفى بنصفه ألا أنه لم يجد , وما أن رأى الطفل يوسف حتى ذهب إليه مهرولً وقال له :
- أرجوك ! أعطني بعض مما لديك فـ عائلتي لم تأكل منذ مدة !
صرخ يوسف عليه :
- أذهب هيا .. أذهب من هنا .
تركه يوسف وأبتعد عنه قليلا , مشى ومشى خطوات ثم توقف فجأةً .. يفكر يحك رأسه .. يغمض عينيه محتارا في أمره يلوم نفسه :
- ماذا فعلت ؟
- قد يكون هذا الطفل أشد حاجة مني ومن عائلتي بهذا الطعام .
فـ رجع إليه وسأله :
- أين هو منزلكم ؟
فذهب معه إلى منزل الصبي , وعندما دخل دُهشت عيناه مما رأت "أبٌ مقعد , وأمٌ مريضة , وست أطفال صغار يتقاتلون على قطعة خبز يابسة" , فلم يتمالك دموعه التي أنهمرت من عينيه مرغما .. ودون أن يفكر في زوجته وطفله الجياع .. ترك كل ما بيده من طعام في منزلهم وخرج تسابقه دموعه .
عاد إلى منزله لكنه حينما وصل إلى عتبة بابه لم يستطع الدخول .. لم يمتلك الجرأة على ذلك .. لا يحتمل نظرات الجوع في عين أسرته وكيف ينظر إليهم ولم يعد لديه ما يعطيهم , ركب سيارته وذهب إلى البحر هناك وتوقف بعيدا وحيدا ينظر إلى عمق البحر وهيبته وما يحمله من أسرارً تحت مياهه .. يحلم بالكنوز التي في قعره .. لعلها تطيح في يده بالصدفة أو حسن حظ , ظل في حيرته متوقفا يشتكي للبحر بلا صوت .. يتمشى قليلا على رمال الشاطئ ويرمي بالأحجار في العمق وكأنه ينتقم من البحر للكنوز التي لديه .
لم يكن معه أحدٌ على ذاك الشاطئ عدى رجل كبير في السن يجلس وحيدا بجانب سيارته الفارهة , ألا أن يوسف لم يدر له بالً .. ولم يلتفت ولديه من المصائب ما تغرق البحر , وبينما هو منعزلً مع أفكاره إذ به يسمع صوت أحدهم يستنجد , نظر يوسف هنا وهناك حتى رأى الرجل المسن ينتفض على الأرض ويتلوى في مكانه ألماٌ وكأنه مختنق , ذهب إليه بسرعة ليسعفه ..ألا أنه لم يعرف علته , فسأله :
- ما بك ؟
- ماذا تريد ؟
لكن الرجل لم يقدر على الكلام يضع يده فوق عنقه , أحتار يوسف في أمره .. يتلافت يمينا شمالا .. قام يبحث في سيارة الرجل عله يجد ضالته .. بحث وبحث حتى وقعت عيناه على "بخاخ الربو" فعلم بعلته وأسعفه حتى تعافى الرجل مما أبتلي به وكاد أن يودي بحياته . قام يشكر يوسف على ما فعل , يمتدحه لمساعدته ومرؤته , جلسوا بعدها يتحدثون مع بعضهم .. فأخبره يوسف بقصته وقلة يد العون وقلة المال وقلة العمل , استأذنه بعدها ليذهب إلى المغاسل لتنظيف يديه من الرمل .
رجع بعدها يوسف ولم يجد الرجل إذ يبدو أنه رحل , فـ ركب يوسف سيارته أيضاً قاصدً المنزل مُنكسرا مُجبرا أن يرى الجياع الذين يعيلهم , وفي طريق عودته توقف في أحدى أشارات المرور .. رمق بعينيه مقعده الخلفي وإذ به يتفاجأ بوجود ثلاثة أكياس سوداء وفوقهم ورقة ! أخذ الأكياس والورقة .. وقرأها .. فـ إذ هي هدية شكرٌ من الرجل الذي أنقذه يكافئه بهذه الأكياس الثلاثة المليئة بالمال , فتحها غير مصدق وإذ بها أموالٌ طائلة جدا .. كأنها أموال قارون بيده , ظل يوسف يلمسها ويمعن النظر فيها جيدا , فهذه المرة الأولى التي يرى فيها نقودا بهذه الكمية والكثرة والحجم .
ذهب إلى المطعم مباشرة وأشترى أطباقا وأطعمة من كل الوجبات التي تقع عليها عينيه , ذهب إلى منزله سريعا وكأنه يركب طائرة ودخل على زوجته وطفله وأعطاهم كل ما بيده وأخبر زوجته بما جرى معه .. وسلمها كل المال , عاشت الأسرة بعدها أيام سعيدة لم تكن تحلم بها حتى عوائل الطبقات المخملية , ألا أن يوسف لم يعجبه ما كانت تفعله زوجته من تبذير للمال يمينا ويسارا على اشياء تافهة بسيطة لا تستحق ولا تحتاجها , كان يكلمها بأستمرار وينصحها بعدم الأسراف في الأموال , ألا أنها لا تدير له بالً .. فهددها بقطع المال عنها إذ لم تتوقف عما تفعله .
في أحد الأيام عادت الزوجة من السوق تحمل بين يديها الكثير من الذهب , ما أثار غضب يوسف كثيرا , وصرخ عليها ويوبخها :
- ماذا تفعلين ؟
- لما كل هذا التلاعب بالمال ؟
- لماذا لا تشكرين الله على هذه النعمة ! ولا تبذرينها ؟
- لماذا لا تتصدقين بها على الفقراء والمحتاجين ؟
- ألا تعلمين بأن هناك من لا يأكل ولا يشرب ولا يجد قطعة خبز صغيرة حتى في القمامة !
قالت له غاضبة :
- عندما كنا بحاجة إلى المال لم يعطينا أحد !
- لماذا تريدنا الآن أن نعطي الآخرين ؟
أخذ كل المال من زوجته بعد أن بلغ به السيل زبى من غطرستها ورعونتها ..وخرج من المنزل وسط صراخها :
- عد بالمال , أرجوك , أرجوك أرجع !
- لا نريد أن نعود كما كنا من قبل !
ألا أنه لم يهتم لـها .. ركب سيارته وفي خلده ذلك الصبي البائس الذي قابله قبل وقت , فذهب إلى منزلهم .. وطرق بابهم حتى فتح له الصبي الذي كان يدفع والده في كرسيه المتحرك , فأعطاهم يوسف كل المال الذي بحوزته ورحل .