جدد حياتك في العشر الآواخر
بسم الله الرحمن الرحيم
رحيل رمضان واستغلال العشر الأواخر.
فقد صدق الله: أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍسورة البقرة:184، وهاهي توشك على الانقضاء،رمضان ليس أشهراً،ولا سنوات،وإنما هو أيام لا تلبث أن تنقضي سريعاً حتى يكون في نفوس المؤمنين شيء من الحسرة على الفراق، ولكن يبقى المؤمن ما دام في رمضان لحظة على أمل،وفي عمل، والخيل إذا قاربت على الوصول جدت في المسير،وأخرجت أحسن ما عندها قبل نهاية السباق، ومن أحسن فيما بقي غفر الله له ما مضى، والعبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية، وهكذا نغتنم ما تبقى من الشهر، والمؤمن يرجو حديث: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)، ففي كل ليلة من ليالي الشهر من أوله إلى آخره؛فرصة للعتق من النار،ومن الذي لا يريد العتق من النار؟!
(من أدرك رمضان فلم يغفر له، فأبعده الله، قلت: آمين)، المؤمن يقشع الغفلة عن قلبه لتطلع شمس الإيمان عليه، وترتفع صحائف الصيام بأقدام الاجتهاد في قلوب الخشوع على عيون الخوف، وأيام قلائل يودع بها عباد الله المؤمنون شهر رمضان.
يا عبد الله، يا من قصرت فيما مضى، لا تفوت ما بقي، فما بقي عظيم، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "لما بقي ثلاث من الشهر جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهله ونساءه، وقام بنا حتى تخوفنا أن يفوتنا السحور"رواه النسائي وهو حديث صحيح.
وليلة سبع وعشرين قادمة، وبعدها ليلة ثمان وعشرين، وليلة تسع وعشرين، وربما تكون هي الأخيرة.
عمل النبي في العشر الأواخر.
"كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر شد مئزره، وجد، وأحيا ليله، وأيقظ أهله"استعداد للعبادة، واجتهاد، وحرص على المداومة، وتجويد للخاتمة.
وقوله: "وجد" أي: زيادة عن العادة، واجتهد فيما لا يجتهد في غيرها من ليالي الشهر، "وأحيا ليله" أي: بالصلاة، والذكر، وتلاوة القرآن، "وأيقظ أهله" أي: لا يترك أحداً منهم غافلاً، وإنما في عبادة يسهرون لإحياء الليل.
عن أم سلمة قالت: "لم يكن صلى الله عليه وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحداً يطيق القيام إلا أقامه".
عباد الله:
معرفة ماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم يفيدنا كثيراً؛ لأن البعض ربما ينشغل في آخر الشهر، وفي الليالي الفاضلة العظيمة الباقية بالصفق في الأسواق، (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء)
نضح ونضحت يدل على التعاون على الخير، بل فيه شيء من حمل النفس على العبادة وإن كانت لا تريد، فلا مجال للفتور والكسل، ولو رأى المسلم الجنة والنار عياناً لكان له شأن آخر، فأوج النشاط ينبغي أن يكون في الطاعة، ليس في الدعايات، والمشتريات، والبضائع، والسلع، والصفق في الأسواق، والإنسان يشتري على قدر الحاجة، ويسرع فيما لا بد منه.