كان هناك طائر صغير وجميل،يحلق في عنان السماء،ولمح من الأجواء شجرة مسنة،فقرر
أن ينزل عندها،فنزل عند جذعها،وأخذ ينظر إليها بكل سخرية،وقال لها: مالي أراك لا زلت
على قيد الحياة؟!
فردت الشجرة:ومالي أراك لا تلقي التحية على من هم أكبر منك سنا!.
وأما جوابا على سؤالك ،فهذه إرادة الله.
فقال الطائر:صحيح!.
ولكن لم يعد لوجودك أي نفع أيتها العجوز؟
قالت الشجرة: بالعكس لي نفع،وأول منتفع اليوم هو أنت،فهأنت تقف على جذعي،وتقلل
من احترامي.
الطائر سكت لوهلة ثم قال: إذن لن أقف على جذعك،لدي جناحان ينفعاني،أنت مسكينة
ليس لكي ريش جميل مثلي،وليس لكي ألوان زاهية أيضا مثلي،ولا تستطيعين التحليق
من مكان لآخر بحرية.
قالت الشجرة:كانت لدي أوراق خضراء جميلة وكثيرة تكون ظلا فيستظل الناس تحتي من
حر الشمس ولهيبها،وأيضا الثمار حالما تنضج أعطيهم إياها فينتفع بها كل البشر ،أعود
وأقول لك أنا على الأقل أنفع البشر.
قال الطائر:أعلم هذا جيدا ،كان كل هذا سابقا،والآن انظري إلى نفسك عجوز وقبيحة جدا
لقد تساقطت كل أوراقك الباهية،ولم تعودي تعطي الثمار،حتى الظل أصبح ضئيل مثلك.
قالت الشجرة:وهذا حال جميع الكائنات الحية،تبدأ صغيرة وضعيفة،ثم تمر بفترة تكون فيها
قوية ومفعمة بالجمال والحيوية،ومن ثم يذهب كل هذا فيعود إليها الضعف والوهن،ولكن
لم يذهب شبابي هباءا،فقد استغللته في منفعة البشر،يستظلون في ظلي،ويأكلون من
ثمري،ويصنعون من جذعي أثاثا لهم.
الطائر:ضحك عليها،واعجباه.
دعك من هذه الطيبة الزائدة.
الشجرة:ليست طيبة زائدة،بل هدف جميل حددته في حياتي،وأنا خلقت لهذا الشيء.
وفجأة وإذ بصوت ضرب قوي في جذع الشجرة،فأخذا ينظران فوجدا بأنه أحد البشر،يضرب
الشجرة بالفأس ليقطعها.
ضحك الطائر وقال:أرأيت!
تفنين حياتك لأجل راحتهم،وهاهم يغدرون ويحاولون قطعك.
قالت الشجرة:بل هذا هو الهدف الأخير من حياتي بدأ إنجازه الآن،وحسن الخاتمة التي
طالما تمنيتها،فالأمور جاءت كما خططت لها أنا،الوداع يابني.