في يوم ممطر ،وبارد ، وعاصف،ونوافذ البيت ترتطم بجدرانه من شدة العاصفة،والصوت
يعلو فوق صوت،هو جدال حاد يدور بين أب وابنته.
البنت:أبي لقد مللت من جلوسي في البيت،أريد أن أسافر لوحدي،وأستمتع بحياتي
بلا حسيب ولا رقيب.
الأب:أيا بنيه إن العالم ليس آمن كما تظنين،فلقد بلغت العشرين من عمرك،هذا لا يعني
أن نترك بلا حماية،فلا زلت بنت صغيرة تحتاج إلى الحماية.
البنت:أبي! أنا لا أحتاج إليك ولا إلى أمي،ولا لأي أحد من البشر فقط اتركوني لوحدي
وبينما هما كذلك فاجأها والدها بصفعة قوية على وجهها،وقال لها والغضب قد بدا
على محياه:هيا غادري! وأريني كيف ستتحدين هذا العالم الكبير في هذا الزمن المخيف.
وترك لها الباب مفتوحا،فلم تتردد للحظة وحزمت أمتعتها وغادرت،فأوقفها وقال: سوف
تعودين رغما عن أنفك ،لأنك لن تجدي من يحميك ويأويك كأهلك،والآن سأتركك تتعلمين
الدرس.
لم تكترث لما قاله والدها،وركضت والفرح يعلو وجهها،وكأنها عصفورة خرجت من قفصها
ولم تدري بأن قفصها كان أأمن لها،وفي الطريق توقفت وأخذت تفكر! من أين ستبدأ
رحلتها؟
فتذكرت بأنها لا تملك أي مصروف،وقد كانت تأخذ كل أموالها من والدها،فكرت بأن تذهب
وتعمل في أي مكان حتى تصرف على نفسها،وبحثت كثيرا حتى وجدت العمل كنادلة
في إحدى المطاعم،وبينما هي تلبي للزبائن طلباتهم،أعجب بها أحد الزبائن وأخذ يحدق فيها
دون أن يرمش للحظة،وبعد دقائق طويلة من المراقبة،تجرأ على الدخول إليها داخل
مطبخ المطعم،وأمسك بيدها إلا وإلا أن يتعرف عليها،صرخت وهي تقول:أنقذوني من
هذا المجنون!.
إلى أن لبوا من كانوا يعملون معها النداء وقاموا بطرده من المطعم،شعرت وقتها بالخجل
كثيرا وقررت أن تأخذ الإذن وتغادر المطعم لأنها تشعر بالصداع والتعب،وكان حقيقة
ماتشعر به هي الصدمة والتوتر،وفي الطريق شعرت بأن هناك شخص ما يتتبعها ،وكلما
خطت بخطوة سمعت صوت خطوات لشخص ما خلفها،شعرت بالخوف كثيرا،ومن شدة
الخوف وكأن قلبها سيخرج من مكانه،قررت بأن تتظاهر بأنها لا تدري،ولحسن حظها كانت
شقتها قريبة ،فورا أسرعت إليها وأغلقت الباب على نفسها جيدا بالمفتاح،وبحثت في أرجاء
المنزل ظنا منها بأن هناك شخصا ما اقتحم المنزل ويختبأ في مكان ما ،ولكنها لم تجد أي
أحد،فجأة وإذا بالباب يطرق،فأخذت نظرة من العين السحرية الموجودة بالباب، لتجد بأنه
ذلك الشخص المريض ،خافت أكثر وسقطت على ركبتيها تبكي من دون صوت،وبكل تأكيد
لم ترد عليه،وهو لا يزال يكرر المحاولة ويطرق الباب ويقول:افتحي يا أيتها الجميلة
وظل كذلك قرابة النصف ساعة،وغادر فورا بعد محاولته اليائسة،أسرعت إلى هاتفها
بعد أن غادر ذلك المريض،واتصلت بوالدها وهي تبكي بحرقة وهي تقول:ياأبي العزيز
تعال وخذني أنا في الشقة الفلانية في الحي الفلاني،الآن يا أبي فمن دونك سأضيع
أنا أحتاجك وأحتاج قربك وحمايتك ،لقد تعلمت الدرس جيدا وفهمت سبب خوفك علي
وحرصكم الشديد هذا.