كانت دويلة صغيرة وجميلة،وفي عزلة عن باقي بلدان العالم،ولم يكن لتلك الدويلة علاقة
مع البلدان الأخرى سوى العلاقات الاقتصادية:مثل الاستيراد والتصدير،وجميع الناس
خارجها يحسبون بأن من فيها يعيش حياة الترف والبذخ،ولا يعانون من أي مشاكل
تذكر،ويحسبون بأن طلب العلم فيها بالشيء الهين،و كل شيء فيها راق ورخيص جدا،ولا
أحد يشتكي من الجوع،أو الفقر،أو الجهل،أو الحاجة،ولكن العكس هو الصحيح،فقد كان
شعبها يعيشون تحت سقف عال جدا من الظلم،فجميع أصحاب المناصب العالية ذوي ظلم
شديد،بدءا من حاكمهم،إلى أقل شيء وهم ضباط الشرطة،فقد كانوا كل هؤلاء ينتمون
لحزب فاسد هدفه الوحيد نشر الفساد في كل مكان،ولكي يكتمل مخططهم بدأوا بتأسيس
هذه الدويلة والتي عندما تصبح أوسع بعد أن تقوى من الداخل،ستجعلهم يتمكنون من
باقي البلدان رويدا رويدا.
من ضمن القوانين الصارمة والفاسدة التي وضعها الحاكم،يجب على كافة الشعب العمل
ليلا ونهارا للرفع من اقتصاد الدولة،وساعات النوم محدودة ،تكون على الأكثر خمس
ساعات،والرواتب قليلة تعطى في شهر وفي شهرين لا تعطى،فقد كان الحاكم يسعى
لجعل كل أموال الشعب له ولمن حوله من أصحاب المناصب،وأيضا ليمد البلاد بكل
أنواع الأسلحة التي يريد بها أن يدافع عن البلاد وقت الأزمات.
مل الشعب من هذا الظلم والجشع،واستوحشت المدن بسبب شدة الفقر،والعشرات
يموتون جوعا يوميا،وحده هو فقط من كان يفكر في أحوال الجميع،في حين أن كل شخص
منهم يفكر في نفسه،ووحده فقط من قرر مواجهة تلك الحكومة الظالمة في حين أن
الجميع يغشى قلوبهم الخوف والرعب من حاكمهم،فكان حاتم ذكيا، ماكرا أشد مكرا من
الثعلب،وأكثر شجاعة من الأسد،وكل من عرفه ولم يعرفه يحترمه أيما احترام!،فقط نوى
لهم حاتم مذ أن كان في الرابعة والعشرين من عمره،فبدأ في وضع الخطط والأهداف دون
علم أي أحد،فتخرج من الجامعة بعد أن كان مثاليا في المجال الذي درسه وهو علوم
الاقتصاد،وكما كان مفكرا كبيرا،وفلكيا عبقريا،إلى جانب الحكمة التي لاحظها عليه
الجميع،و بعد أن تخرج من الجامعة بدأ في وضع الكثير من الخطط لمشاريع كبيرة
وسرعان مانجحت وأصبح من أثرى الأثرياء،ونصف أمواله كان يساهم بها سرا لتخفيف
المعاناة من الفقر، والجوع،والجهل،ورويدا رويدا بدأ بالانضمام لتلك الحكومة الفاسدة
والمنحرفة وأوهمهم أنه منهم ومعهم،وهم لا يدرون بنواياه لهم بأن يدمرهم،ظل قيد
الاختبار لمدة سنتين،ومن بعد ما أعطوه الثقة تسلل حقا في المناصب،وأصبح كالسم
الذي يسري في الجسد ببطء فينهار شيئا فشيئا،وبينما هو كذلك كان في آخر الليل و كل
يوم يدعو الله عز وجل باكيا،ومتضرعا،ومبتهلا،بأن يوفقه ويسهل عليه لما نوى له،وفعلا
بعد صبر وتخطيط دام طوال عشر سنوات،تمكن حاتم من الإطاحة بذلك الحكم الفاسد
ووقعت الرئاسة في يده،وزج بكل الناس المتهمين بالفساد من الحكومة في السجن
وأخرج تلك الدويلة الصغيرة من بطن الظلمة والضياع،إلى واقع النور والحياة.