اقترب الثلث الأخير من الليل وهاهو آذان الفجر يصدح في كل أرجاء وأجواء المدينة معلنا بزوغ فجر جديد في يوم جديد
وهاهو يوسف كعادته اليومية يستيقظ مبكرا ويتوضأ ويذهب إلى إحدى مساجد الحي القريبة من بيته لأداء صلاة الفجر
ويشهد عن بداية يومه بالدعاء : '' اللهم أغننا بحلالك عن حرامك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ،
والعجزوالكسل ، والبخل والجبن ،وقهر الدين وغلبة الرجال '' ثم يذهب في جولة قصيرة في الطرقات الخالية من كل
حركة متجها إلى حديقة الحي حيث تسيطرعليها السكينة والسكون وتسطع عليها أشعة الشمس الخجلى ، وتعمها أصوات
العصافيرالمختلفة الألوان والمغردة ،وتهب عليها نسمات الصباح المنعشة والعليلة والندية المحملة برائحة الخبز الشهية
المنبثقة من المخابز القريبة من الحديقة والتي يبكر عمالها في إعدادها في تلك الحديقة . اعتاد أحمد أن يجلس فيها كل صباح ،
حتى أصبحت بالنسبة له مكان التزود بالهواء النقي وفرصة لالتقاط النفس بعد الإستمتاع بنفحات روحانية وربانية وهو يعيش تلك
الأجواء التي اختلط فيها كل ما هو طبيعي وروحاني والتي تورث النفس إحساسا كاملا بالسكينة والهدوء وصفاء الذهن التي
قلما يدركها الإنسان بسبب ركضه الدائم والمستميت من أجل الظفر بمتطلبات الحياة.هو يعلم العلم اليقين أن وضعه المادي
المتواضع جدا لا يسمح له أن يفكر في أمور لا طاقة له بها أو الحصول عليها، وأنه لا يستطيع الإستغناء عن الجهد اليومي
الشاق الذي يبذله وأنه أيضا ملزم بالتفرغ لعمله اليومي لتأمين لقمة العيش واستيفاء الديون والمتطلبات الضرورية جدا ،
للأسف ليس لديه خيارات كثيرة مطروحة غير الكد الجاد والعمل المتواصل ، إلا أنه وفي خضم هذه السلسلة المتواصلة
من وسائل وأسباب الحصول على الرغيف الحلال لا يسمح لنفسه بالتقاعس والكسل أو الشكوى وخيبات الأمل أو حتى التذلل.
لا يمكن لأحد أن ينال منه أو حتى أن يتجرأ عليه بل يصر كل الإصرار على شراء كرامته بعرق جبينه ، ويتزود كعادته بجرعة
يومية من الأمل والثقة برب العباد أنه لن يضيع أجر من أحسن عملا.