عذراء على درب الاشواك..
فاطمة فتاة جامعية في ربيع عمرها,التحقت بكلية الآداب بجامعة حمص,وهي اليوم على مشارف الإمتحانات النهائية...
ما زال التوتر يسود المدينة,فالتظاهرات المناهضة للنظام تزداد وتيرتها ليل نهار في حمص,ومشاهد تكاتف اهل الحي الواحد في لوحة ملحمية عنوانها الإصلاح والتغيير لا تمحى من الذاكرة..
انهت فاطمة ارتداء ملابسها ووضعت لمسة ناعمة من احمر الشفاه قبل ان تهجر غرفة الطالبات وتتوجه لجامعتها...
- يلا يا فاطمة...سوف نتأخر على الصف..نادتها لبنة صديقة الطفولة..
-قادمة..قادمة..اجابتها فاطمة وهرولت نحو السلالم لتلاقيها في البهو...
- الأوضاع لا تطمئن..دعينا اليوم نركب الباص العمومي بدل من سيارة الأجرة..كثرت الحواجز واظن ان ركبنا الباص مع زمرة الناس لا خوف علينا من معاكسات الجند...ما رأيك فاطمة؟
- لا مشكلة حبيبتي...المهم ان نصل على الوقت..
توقف باص بجوارهما فركبتاه سوية..
-يا شباب في حاجز قوي على المستديرة,اللي معه شي بتلفونه او مناشير يتخلص منها هلأ قبل ما تمسكه الدولة ويبهدلنا ويتبهدل..(هناك حاجز امني على المستديرة,من يحمل في هاتفه مواد مشبوهة او مناشير فليتخلص منها قبل ان تلقي عناصر الدولة القبض عليه ونتعرض واياه للإحراج المخزي)
لم يجبه احد..وصلت السيارة الى اول نقطة تفتيش..
-الكل ينزل اذا بتريدوا (رجاء فليترجل الجميع )صاح احد عناصر الأمن..
هنا امتدت يد خفية الى جيب حقيبة فاطمة وألقت هاتفا محمولا..
-اللي معه تلفون يفتح كوده ويسلمنا اياه(من يمتلك جوالا فليفتح قفله وليسلمنا اياه)صاح عسكري اخر بالركاب..
بدا الارتباك على محيا جميع الركاب,ولكن امتعاضهم ظل هلوسات خفية تتجلى ببعض تعابير الوجه..وحدها فاطمة لم تكن قلقة,فشقيقها ضابط في سلاح الجو السوري وعائلتها بأكملها منتسبة لحزب البعث الحاكم ومن المناصرين القدامى له..وصل الدور اليها حينما استئذنها الجندي بفتح حقيبتها..قدمتها اليه..ادخل الجندي يده فيها,لامست يده الهاتف..
-آنسة,رجاءا افتحيه..
تبسمت مجيبة 'هاتفي بلا قفل'
-مش قصدي السامسونج قصدي النوكيا(لا اقصد هاتف السامسونج انما النوكيا)
- اي نوكيا...انا هاتفي سامسونج..اجابت باستغراب فاطمة..نظرت ليد الحارس وأكملت'هاد مش ايلي,شو اللي جابه عجزداني'(هذا ليس بهاتفي..كيف وجد في حقيبتي)
امام نبرة صوتها الحادة اقترب رجل بلباس مدني منهما..
-ماذا يحصل هاهنا..بادر بالسؤال
-سيدي لقد عثرت على هاتف مقفل في حقيبتها وهي تنكر ملكيته..
اقترب منها وهمس بأذنيها'لأجل مصلحتك انستي افتحي الهاتف بنفسك والا اخذتك لدائرة الأمن العسكري وقمنا بأنفسنا بفك تشفيره..لا داعي لإثارة البلبلة..
- ما بالك,صاحت فاطمة,ليس ملكي هذا الجوال ولا ادري كيف وصل لحقيبتي..اكيد احد الركاب دسه خلسة..
-اخفضي صوتك,نهرها الرجل,خذوها عالتحقيق..
هنا التفت فاطمة ناحية صديقتها لبنة..'لبنة..لبنة..حكي خالد خيي وقوليله الامن العسكري اخدني'(لبنة..اتصلي بأخي خالد وابلغيه ان الأمن العسكري يأسرني)
مع وصولها لمركز الأمن العسكري بدأت فاطمة تعاني من جفاء رجال الأمن وسطوتهم...ألقي بها في زنزانة صغيرة مع اربع فتيات سبقوها الى هناك..
كن يتذمرن بصوت عال من النظام الحاكم وظلمه لمواطنيه..سألوها عن سبب سجنها...سوء تفاهم بسيط اجابتهم وجلست في زاوية شبه نظيفة بركن الغرفة تنتظر الفرج..
مرت نصف ساعة قبل ان يصرخ احد العساكر
'فاطمة الأحمد'
بلهفة وقفت واجابت حاضرة..سخرت الفتيات منها,امرهن الحارس بالصمت..'تفضلي معي اذا امكن..'
توجهت صوبه وابتسمت للسجينات,فتوجه بها الى غرفة الرائد المسؤول عن القسم..
'اهلا وسهلا بالست فاطمة..تفضلي..استريحي..'نهض عن كرسيه وأجلسها على مقعد فاخر بجوار مكتبه..'اعتذر عن فظاظة العسكر...كما تعلمين البلد في حالة بلبلة والشك سيد الموقف..اعتذر بالنيابة عن جنودي,لم يدركوا من انت ...اتصل بي شخصيا اخاك الرائد خالد...نرجو منك توخي الحذر وعدم تكرار حادثة اليوم..
-ولكنني لم اخطىء,احدهم دسه لي خلسة..قاطعته فاطمة,فالذنب ان تكرر ليس ذنبي..اين وعيكم حضرة الضابط؟
تبسم لها ابتسامة تهكم وأذن لها بالخروج..
اثناء خروجها من المركز لمحت فاطمة شخصا يشبه احد ركاب الباص..
'مساكين..لعله اضاع احد اشيائه..عانقت اخوها الذي انتظرها خارجا وانطلقا بسيارته العسكرية بعيدا..
دق باب الرائد..
'تفضل...'
دخل الرجل,ألقى التحية امام قائده..ثم بادر بالكلام
'بتمنى اللي عملته عجبك سيدي..(اتمنى ان يكون قد نال اعجابكم عملي..)
تبسم الضابط وقال..
احسنت..لقد ابتلع خالد الطعم
..يمكننا ابتزازه عن طريق عذرائه الصغيرة.