تَبَارَكَ مَنْ شُكْرُ الوَرَى عَنْهُ يَقْصُرُ ... لِكَوْنِ عطايا جُوْدِهِ لَيْسَ تُحْصَرُ
وَشَاكِرُهَا يَحْتَاجُ شُكْرَاً لِشُكْرِهَا ... كَذَلِكَ شُكْرُ الشُّكْرِ يَحْتَاجُ يُشْكَرُ
فَفِيْ كُلِّ شُكْرِ نِعْمَةٌ بَعْدَ نِعْمَةٍ ... بغَيْر تَنَاءٍ دُوْنَهَا الشُّكْرُ يَصْغُرُ
فَمَنْ رَامَ يَقْضِيَ حَقَّ وَاجِبِ شُكْرهَا ... تَحَمَّلَ ضِمْنَ الشُّكْرِ مَا هُو أَكْبَرُ
تُسَبِّحُهُ الحِيْتَانُ في الْمَا وفي الْفلاَ ... وُحُوْشٌ وَطَيْرٌ في الهَوَاىِ مُسَخَّرُ
وَفي الفُلْكِ وَالأَمْلَاكِ كُلٌ مُسَبَّحٌ ... نَهَارَاً وَلَيْلاً دَائِمَاً لَيْسَ يَفْتُرُ
تُسَبَّحُ كُلُّ الكَائِنَاتِ بِحَمْدِهِ ... سَمَاءٌ وَأَرْضٌ وَالجِبَالُ وَأَبْحُرُ
جَمْيعَاً وَمَنْ فِيْهنَّ وَالكُلُّ خَاشِعٌ ... لِهَيْبَتِهِ العُظْمَى وَلاَ يَتَكَبَّرُ
لَهُ كُلُّ ذرَّاتِ الوُجُوْدِ شَوَاهِدٌ ... عَلَي أنهُ البَارِيْ الإِلَهُ المُصَوِّرُ
دَحَا الأَرْضَ وَالسَّبْعَ السَّمَاوَاتِ شَادَهَا ... وَأَتْقَنَهَا لِلْعالمِيْنَ لِيَنْظُرُوا
وَأَبْدَعَ حُسْنَ الصُّنْعِ في مَلَكُوْتِهَا ... وَفي مَلَكُوْتِ الأَرْضِ كَيْ يَتَفَكَّرُوا
وَأَوْتَدَهَا بِالرَّاسِيَاتِ فَلَمْ تَمِدْ ... وَشقَّقَ أَنْهَارَاً بِهَا تَتَفَجَّرُ
وَأَخْرَجْ مَرْعَاهَا وَبَثَّ دَوَابَهَا ... وَلِلْكُلَّ يَأَتِي مِنْهُ رِزْقٌ مُقَدَّرُ
مِنْ الحَبِّ ثُمَّ الأَبّ والقَضْبِ وَالكَلاَ ... وَنَخْلٍ وَأَعْنَابٍ فَوَاكِهُ تُثْمِرُ
فَأَضْحَتْ بِحُسْنِ الزَّهْرِ تَزْهُوْ رِيَاضُهَا ... وَفِي حُلَلٍ نسْجُ الرَّبِيْع تَبَختَرُ
وَزَانَ سَمَاءً بِالمَصَابِيْحِ أَصْبَحَتْ ... وأَمْسَتْ بِبَاهِيْ الحُسْن تَزْهُوْ وَتَزْهَرُ
تَرَاهَا إِذَا جَنَّ الدُّجَى قَدْ تَقَلَّدَتْ ... قَلَائِدَ دُرِّيٍّ لِدُرٍّ تُحَقِّرُ
فَيَا نَاظِراً زَهْرَ البَسَاتِيْنَ دُوْنَهَا ... أَظُنُّكَ أَعْمَى لَيْسَ لِلْحُسْنِ تُبْصِرُ
وَيَا مَنْ لَهَا إِنَّ المَحَاسِنَ كلَّهَا ... بدَارٍ بِهَا ما لا عَلَى القَلْبِ يَخْطُرُ
وَلاَ سمِعَتْ أُذْنٌ وَلَا الْعَيْنُ أَبْصَرَتْ ... وَمَا تشْتَهِيْهِ النَّفْسُ في الحَالِ يَحْضُرُ
تَزيْدُ بَهَاءً كُلَّ حِيْنٍ وَعَيْشُهَا ... يَزيْدُ صَفَاءً قطُّ لاَ يَتَكَدَّرُ
مِنْ الدُّرَّ وَاليَاقُوْتِ تُبْنَى قُصُوْرُهَا ... وَمِنْ ذَهَبٍ مَعْ فِضَّةٍ لاَ تَغَيَّرُ
وَمَا يُشْتَهَى مِنْ لَحْمِ طَيْرٍ طَعَامُهَا ... وَفَاكِهةٍ مِمَّا لَهُ يُتَخَيَّرُ
وَمَشْرُوْبُهَا كَافُوْرُهَا وَرَحِيْقُهَا ... وَتَسْنِيْمُهَا والسَّلْسَبِيْلُ وَكَوْثَرُ
... وَمِنْ عَسَلٍ وَالخَمْر نَهْرَانِ جَوْفُهَا ... وَنَهْرَانِ أَلبَانٌ وَمَاءٌ يُفَجَّرُ
وَغَاليْ حَرِيْرٍ فُرْشُهَا وَلِبَاسُهَا ... وَحَصْبَاؤُهَا والتُّرْبُ مِسْكٌ وَجَوْهَرُ
وَمِنْ زَعْفَرَانٍ نَبْتُهَا وَحَشِيْشُهَا ... وَمِنْ جَوْهَرٍ أَشْجَارُهَا تِلْكَ تُثْمِرُ
فَوَاكِهُ تَكْفِيْ حَبَّةٌ لِقَبِيْلَةٍ ... أُدِيْمَتْ أُبِيْحَتْ لا تُبَاعُ وَتُحْجَرُ
وَأَكْوَابُهَا مَنُ فِضَّةٍ لاَ كَبِيْرَةٍ ... عَلى شَارِبٍ مِنْهَا وَلا هِيَ تَصْغُرُ
وَمِنْ ذَهَبٍِ زَاهِيْ الجَمَالِ صِحَافُهَا ... يَلِذُّ بِهَا عَيْشٌ بِهِ العَيْنُ تَقْرُرُ
وَأَزْوَاجُهُا حُوْرٌ حِسَانٌ كَوَاعِبٌ ... رَعَابِيْبُ أَبْكَارٌ بِهَا النُّوْرُ يَزْهُرُ
هَرَاكِيْلُ خُوْدَاتٌ وَغِيْدٌ وخُرَّدٌ ... مَدَى الدَّهْرِ لاَ تَبْلَىَ وَلا تَتَغَيَّرُ
نَشَتْ عُرُباً أَتْرَاب سِنّ قََوَاصِرٍ ... لِطَرْفٍ كَحِيْلٍ لِلْمَلاحَةِ يَفْتُرُ
عَوَالي الحُلَى وَالحَلْيُ عَيْنٌ فَوَاخِرٌ ... زَكَتْ طَهُرَتْ مِنْ كُلِّ مَا يُتَقَذَّرُ
ثَوَتْ في خِيَامِ الدُّرِّ في رَوْضَةِ البَهَا ... عَلى سُرُرِ اليَاقُوْتِ تَغْدُر وَتَحْضُرُ
مِلاحٌ زَهَتْ في رَوْنَق الحُسْن وَالبَهَا ... وَكُلُّ جَمَالٍ دُوْنَهُ المَدْحُ يَقْصُرُ
وَمَا الْمَدَحُ فِيْمَنْ نَشَرُهَا وَابْتِسَامُهَا ... يُضِيءُ الدَّيَاجِيْ وَالوُجُوْدَ يُعَطِرُ
وَمَنْ يَعْذُبُ البَحْرُ الأُجاجُ برْيقِهَا ... وَمَنْ حُسْنَها لِلْعَالْمِينَ يُحَيَّرُ
وَمَنْ لَوْ بَدَتْ مِنْ مَشْرقٍ ضَاءَ مَغْرِبٌ ... وَحَارَ الوَرى مِنْ حُسْنِهَا حِيْنَ تَظْهَرُ
وَمَنْ مُخُّهَا مِنْ تَحْتِ سَبْعِينَ حُلَّةً ... يُرَى كَيْفَ مُوْفي المَدْحِ عَنْهَا يُعَبِّرُ
فَخَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا جَميعاً خِمَارُهَا ... فأَحْسِنْ بِمَنْ تَحْتَ الخِمَارِ مُخَمَّرُ
وَأَحْقِرْ بِرَبَّاتِ المحَاسِن وَالتَّىِ ... بِتَشْبِيْهِ أَوْصَافِ الجِنَانِ تُصَدَّرُ
فَمَا الفِضَّةُ البَيْضَاءُ شِيْبَتْ بِعَسْجِدٍ ... وَمَا البَيْضُ مَكْنُونُ النَّعَامِ المُسَتَّرُ
بَهَاءً وَحُسْناً مَا الْيَوَاقِيْتُ في الصَّفَا ... وفي رَوْنَقٍ مَا اللُّؤْلُؤ الرَّطْبُ يُنْثَرُ
وَمَا شَبَّهَ الرَّحْمَنُ مِنْ بَعْضِ وَصْفِها ... بِبَيْضٍ وَيَاقُوتٍ فَذَلِكَ يُذْكَرُ
... عَلى جِهَةِ التَّقْريْبِ لِلذُهْنِ إِذْ لَنَا ... عُقُوْلٌ عَلَيْهَا فَهْمُ مَا يَتَعَسَّرُ
تَبَارَكَ مُنْشِيْ الخَلْقِ عَنْ سِرِّ حِكْمَةٍ ... هُوَ اللهُ مَوْلانَا الحَكَيْمُ المُدَبّرُ
إِذَا مَا تَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... تَعَالَى لِكلِّ المُؤْمِنِينَ لِيَنْظُرُوا
وَقَدْ زُيِّنَتْ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَزُخْرِفَتْ ... نَسُوا كلَّ مَا فِيْهَا لِمَا مِنْهُ أَبْصَرُوا
جَمَالاً وَوَصْفاً جَلَّ لَيْسَ كَمِثْلِهِ ... وَفَضْلاً وَإِنْعَامَاً يَجِلُّ وَيكْبُرُ
نَعِيْمٌ وَلَذَّاتٌ وَعِزٌّ وَرِفْعَةٌ ... وَقُرْبٌ وَرِضْوَانٌ وَمُلْكٌ وَمَتْجَرُ
بِمَقْعَدِ صِدْقٍ فِي جِوَارِ مَلِيْكِهِمْ ... هَنْيئاً لِمَسْعُوْدٍ بِذَلِكَ يَظْفُر
أَيَا سَاعَةً فِيهَا السَّعَادَاتُ يُجْتَلَى ... عَلى وَجْهِهَا دُرُّ العِنَايَاتِ يُنْثَرُ
وَيَا سَاعةً فِيْهَا المفَاخِرُ تُرْتَقَى ... عُلاهَا وَخَلْعَاتُ الكِرَامِ تُنَشَّرُ
أَلاَ بَائِعُ الفَانِيْ الحَقِيْر بِبَاقي ... خَطيْرٍ وَمُلكٍِ لَيْسَ يَبْلَي وَيَدمُرُ
أَلاَ مُفْتَدٍ مِنْ نَارَ حَرٍّ عَظِيْمَةٍ ... أُلوْفُ سِنْين تِلْكَ تُحْمَى وَتُسْعَرُ
لهَا شَرَرٌ كَالقَصْر فِيْهَا سَلاسِلٌ ... عِظامٌ وَأَغلالٌ فَغُلُّوْا وَجُرْجِرُوا
عُصَاةٌ وَفُجَّارٌ وَسَبْعٌ طِبَاقُهَا ... وَسَبْعِينَ عَاماً عُمْقُهَا قَدْ تَهَوَّرُوا
وَحَيَّاتُها كَالبُخْتِ فِيْهَا عَقَارِبٌ ... بِغَالٌ وضَرْبٌ وَالزَّبَانِيُ يَنْهَرُ
غَلِيْظٌ شَدِيْدٌ في يَدَيْهِ مَقَامِعٌ ... إِذَا ضَرَب الصُّمَّ الجِبَالَ تَكَسَّرُ
وَمَطْعُومُهُمْ زَقُّوْمُهَا وَشَرَابُهُمْ ... حَمِيْمٌ بِهَا أَمْعَاؤُهُمْ مِنْهُ تَنْدُرُ
وَيُسْقَونَ أَيضاً مِنْ صَدِيْدٍ وَجِيْفَة ... تَفَجَّرُ مِنْ فَرْجِ الذِيْ كَانَ يَفْجُرُ
وَقَدْ شَابَ مِنْ يَوْمٍ عَبُوسٍ شَبَابُهُم ... لِهَوْلٍ عَظِيْم لِلْخَلائِقِ يُسْكِرُ
فَيَا عَجَباً نَدْرِيْ بِنَارٍ وَجَنَّةٍ ... وَلَيْسَ لِذَيْ نَشْتَاقُ أَوْ تِلْكَ نَحْذَرُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ خَوْفٌ وشَوْقٌ وَلا حَيَا ... فَمَاذَا بَقِيْ فِيْنَا مِنَ الخَيْر ُيذْكَرُ
وَلَيْسَ لِحرَّ صَابِرْينَ وَلا بَلاَ ... فَكَيْفَ عَلى النِّيْرَانِ يَا قَوْمُ نَصُبِرُ
... وَفَوْتُ جِنَانِ الخُلْدِ أَعْظَمُ حَسْرَةً ... عَلى تِلْكَ فَلْيَسَتَحْسِرِ المُتَحَسِّرُ
فَأُفًّ لَنَا أُفٍّ كِلابُ مَزَابِلٍ ... إلى نَتْنِهَا نَغْدَوْا وَلا نَتَدَبَّرُ
نَبِيْعُ خَطيراً بال****ِ عِمَايَة ... وَلَيْسَ لَنَا عَقْلٌ وَلُبٌّ مُنَوَّرُ
فَطُوْبَي لِمنْ يُؤْتَى القَنَاعَةَ وَالتُّقَى ... وَأَوْقَاتُهُ في طَاعةِ اللهِ يَعْمُرُ
فَيَا أَيُّهَا الأَخْوَانُ مِنْ كُلِّ سَامعٍ ... لَهُ فَهْمُ قَلبٍ حَاضرٍ يَتَذَكَّرُ
أَلاَ إنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ بِضَاعَةٍ ... لِصَاحِبها رِبْحٌ بِهَا لَيْسَ يَخْسَرُ
وَطَاعَتُهُ لِلْمُتَّقِى خَيْرُ حِرْفَةٍ ... بِهَا يَكْسِبُ الخَيْرَاتِ وَالسَّعْيُ يُشْكَرُ
إِذَا أَصْبح البَطَّالُ في الحَشْرِ نَادِماً ... يَعُضُّ عَلى كَفٍّ أَسىً يَتَحسَّرُ
فَطُوْبَى لِمَنْ يُمْسِيْ وَيُصْبحُ عَامِلاً ... عَلى كُلُّ شَئٍ طَاعَة اللهِ يُؤْثِرُ
بِهَا يَعْمُرُ الأَوْقَاتَ أَيَّامَ عُمْرِهِ ... يُصَلّيْ وَيَتْلُو لِلكِتَابِ وَيَذْكُرُ
وَيَأْنَسُ بِالمَوْلَى وَيَسْتَوْحِشُ الوَرَى ... وَيَشْكُرُ في السَّرَّا وَفي الضَّرَّا يَصْبِرُ
وَيَسْلُوْ عَنَّ اللَّذَّاتٍ بِالدُّوْنِ قَانِعُ ... عَفِيْفٌ لَهُ قَلبٌ نَقِيُّ مُنَوَّرُ
حَزِيْنٌ نَحِيْلٌ جِسْمُهُ ضَامِرُ الحَشَا ... يَصُوْمُ عَنَّ الدُّنْيَا عَلى المَوْتِ يُفْطِرُ
إِذَا ذُكِرَتْ جَنَّاتُ عَدْنٍ وَأَهْلُهَا ... يَذُوْبُ اشْتِيَاقاً نَحْوَاهَا وَيُشَمِّرُ
وَيَعْلُو جَوَادَ العَزْمِ أَدْهَمَ سَابِقاً ... وَأَبْيَضَ مَجْنُوباً عَن النُّوْرِ يُسْفِرُ
فَأَدْهَمُ يَسْقِيْ مَاءَ عَيْنٍ وَأَبْيَضٌ ... لِصَبْرٍ عَلى صَوْمِ الهَجِيْرِ يُضَمَّرُ
وَيَرْكُضُ في مَيْدَانِ سَبْقٍ إلى العُلا ... وَيَسْرِىْ إلى نَيْلِ المَعَاليْ وَيَسْهَرُ
فَمَجْدُ العُلاَ مَا نَالهُ غَيْرُ مَاجِدٍ ... يُخَاطِرُ بِالرُّوْحِ الخَطِيْرِ فَيَظْفُرُ
سَأَلْتُ الذِيْ عَمَّ الوُجُوْدَ بِجُوْدِهِ ... وَمَنْ مِنْهُ فَيْضُ الفَضْل لِلْخَلْقِ يَغْمُرُ
يَمُنُّ عَلَيْنَا فِي قَبُولِ دُعَائِنَا ... وَيُلْحِقُنَا بِالصَّالِحِيْنَ وَيَغْفِرُ
وَأَزَكْى صَلاةِ اللهِ ثُمَّ سَلامِهِ ... عَلى المُصْطَفَى مَا لاَحَ فِيْ الأُفْقِ نَيِّرُ