النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود للأستاذ عارف العارف - المجلد الثالث صفحة 519
رغم كل المساعي التي بذلها اليهود للاستيلاء على النبع المعروف بـ (رأس العين) وكانوا في اشد الحاجة اليه لينقذوا اخوانهم المحصورين بالقدس، وكان العطش قد اخذ منهم مأخذه - فقد احتفظ العرب بهذا النبع من اليوم الذي صدر فيه قرار التقسيم (29/11/1947)ونشب القتال الي اليوم الذي نشبت فيه معركة اللد والرملة وتخلى الجيش العربي عن هاتين المدينتين (في 11 و 12 تموز 1948).
كانت رأس العين في اثناء تلك المعركة بيد الجيش العراقي. وكان يرابط في ذلك القطاع حامية عراقية هي السرية التي يقودها المقدم الركن علي غالب عزيز. انها من سرايا الفوج الاول (اللواء الاول) الذي جاء من قطاع جسر المجامع وحط رحله هناك في 1 حزيران 1948.
ولما سقطت اللد والرملة واصبح الجناح الايسر للجيش العراقي هناك مكشوفا، فاضطر ان يترك رأس العين ويرجع الى الوراء، وما كاد يفعل ذلك حتى جاء اليهود واستولوا عليها.
هذا ولا بد لنا من القول ان المعارك لم تنقطع بين اليهود والمناضلين من عرب فلسطين في الايام التي سبقت مجيء الجيش العراقي الى ذلك القطاع، وكان اشدها تلك المعارك التي وقعت في الايام الثلاثة الاخيرة من شهر ايار 1948، فقد قامت بين الفريقين حول النبع معارك مريرة ابل فيها كل منهما بلاء حسنا. واستمات اليهود في سبيله، وكادوا ينجحون، لا بل تغلبوا على حاميته واخرجوها منه، واحتلوا رأس العين 30-31 /5/ 1948. ولكنهم لم يبقوا هناك سوى ليلة واحدة، اذ ما كاد الخبر ينتشر في القرى العربيه المجاورة حتى راح المناضلون من كل صوب يزحفون، وكان على رأسهم قائد القطاع الاوسط الغربي الشيخ حسن سلامة. وفي طريقه اليها استنجد بالمناضلين من ابناء دير طريف وبيت نبالا والقرى الاخرى المجاورة لها. وما ان وصل هؤلاء الى الميدان حتى انضموا الى اخوانهم الذين كانوا هناك. وراح الجميع يعملون يدا واحدة على اخراج اليهود.
وكان الفجر قد اطل (31 ايار سنة 1948) ووقعت بين الفريقين معركة دامية، جرح فيها القائد اثر شظية اصابته وفي رئته اليسرى، فنقل على محفة الى مستشفى الميدان. وازداد المناضلون حماسا فراحوا يقاتلون الاعداء بقلوب ملؤها الايمان وعند الضحى كان لواء النصر معقودا للعرب، فطردوا اليهود واستردوا العين (31 أيار 1948). وما كاد هذا الخبر يصل لليهود حتى راحوا يعودا العدة، وما هي الا برهه حتى اعادوا الكرة على رأس العين، وكانت في تلك اللحظة سرية عراقية من سرايا الفوج الاول اللواء الاول قد وصلت يقودها المقدم الركن علي غالب عزيز وصلت في 1 حزيران 1948. وما ان نزلت الى الميدان، حتى ارتد اليهود الى الوراء. ارتدوا دون ان يشتبكوا في قتال مع العراقيين. وقد تسلم هؤلاء (رأس العين) وقطاعها وراحوا يحصنون ذلك القطاع، لئلا يأتي اليهود فيحاولوا الاستيلاء عليها مرة اخرى. كان الشيخ حسن سلامة، ذلك اليوم ينازع سكرات الموت، وما كاد يسمع بارتداد اليهود وبقاء رأس العين في يد العرب حتى حمد الله، واسم الروح من فورة
حدثني المقدم الركن علي غالب عزيز عندما اجتمعت به في بغداد مستطلعا رأيه فيما جرى، وكان يومئذ قد رقي فأصبح عقيدا، (ان مناضلا اسمه حسن وستة من المناضلين الفلسطينين اشتركوا مع العراقيين في المعركة الاخيرة وان هؤلاء المناضلين ابلوا بلاء حسنا، وانه قتل من اليهود يومئذ اربعة: اثنان منهم يمنيان وامرأه، وشخص رابع لم تعرف هويته، واما العرب فلم يقتل منهم أحد وقد جرح ثلاثه احدهم عراقي، واثنان فلسطينيان). هذا ما قاله لي العقيد علي غالب عزيز وقد غادر رأس العين بعد يومين تاركا هناك فصيلا مؤلفا من ثلاثين جنديا معهم ثلاثة رشاشات من طراز برن، وترك بقية افراد السرية في كفر قاسم وعاد هو الى نابلس.
ظلت رأس العين بيد العراقيين من 1 حزيران سنة 1948 الى ما قبل سقوط اللد 11 تموز سنة 1948 والرملة 12 تموز سنة 1948 فمن قائل انهم (اي العراقيين) انسحبوا من هناك والمعارك قائمة بين اليهود والاردنيين حول هاتين المدينتين، ومن قائل انهم ما انسحبوا من هناك الا بعد سقوطهما، اذ انكشف جناحهم الايسر بسبب ذلك السقوط وراح اليهود يهدون الجنود المرابطين في ذلك الجناح.
فقد اكد لي العقيد الركن عزيز ان السرية العراقية التي كانت قبل سقوط اللد والرملة ترابط في رأس العين لم تنسحب من هناك الا بعد سقوط اللد والرملة بيومين وان القيادة العراقية ما كانت لتأمر بانسحابها الا بسبب احتلال تلك المدينتين، وسقوط قرى مجدل صادق وقولة والمزيرعة بيد اليهود. وكانت هذه القرى بيد الاردنيين، فخشي العراقيون ان يقطع اليهود عليهم خط الرجعة فانسحبوا.
ويقول علي غالب عزيز ان السرية العراقية التي كانت في رأس العين والتي كانت مهمتها حماية الطريق التي تربط طولكرم باللد والرملة انسحبت بعد سقوط اللد والرملة الى شرق الطريق التي تربط بينهما (رأس العين) وكفر قاسم، حيث كان يقوم المعسكر البريطاني في زمن الانتداب.