كنا كالعادة نعيش أياما عصيبة جدا،ننام ونستيقظ
خائفين من أن يفقد أحدنا الآخر،فقد كانت مدينتنا
تشهد القصف بشكل مستمر،وليس هناك أي مجال للفرار
منها بسبب الحصار،فكنا نرى أن الأمان أكبر وأعظم
نعمة،وكنا نأمل في يوم من الأيام بأن نصبح وقد
توقف القصف الذي ينزل في كل يوم كالمطر،وفعلا
كانت مضت أيام لم تقصف فيها مدينتنا،وهدأت كل
الأطراف،ولجأوا إلى الحوار والتهدأة،حتى أطمأن
الناس وصاروا رويدا رويدا يخرجون من
بيوتهم،يحاولون أن يعيشوا ولو لمرة واحدة روتينهم
المعتاد،وفعلا مرت علينا الأيام وكنا قد عدنا فيها لتلك
الأيام الخوالي،حيث كنا نخرج بكل أريحة ومن دون أي
خوف،وكنت أنا من ضمن هؤلاء الذين خرجوا ليعيشوا
حياتهم الهانئة المريحة، فعدت إلى مهنتي المحببة
وهي النجارة،تاركا زوجتي وابني وابنتي وأنا مرتاح
البال،وعلى أمل أن لن تتعرض مدينتنا للقصف مرة
أخرى،وبقيت على هذه الحال مطمئنا إلى أن جاء في
يوم من الأيام حيث كنت أمارس عملي بكل أريحة،و
فجأة!
سمعنا صوت طائرت تحلق فوق مدينتنا ومن دون
سابق إنذار تنهال بالقصف على مدينتنا،وصوت الانفجار
المخيف هنا وهناك كهزيم رعود أقبل مع وابل من
الأمطار،حينها جن جنوني!
تركت كل شيء وأسرعت إلى منزلنا،ولكن للأسف!
كان الأوان قد فات،وأصبح بيتنا كالعهن المنفوش،حينها
لم أتمالك نفسي وسقطت على ركبتي،وجلست أبكي
وأبكي!
حتى جاء أحد الناس وهو أيضا كان يبكي ووضع يده
على كتفي قائلا:هلم يا صاحبي نبحث تحت الأنقاض
لعلنا نجد أحد أهلينا لا زال على قيد الحياة.
كلامه هذا انبت بداخلي القليل من الأمل،وجعلني
أستجمع قواي بكل صعوبة محاولا النهوض،وفعلا لقد
قمت من مكاني متجها بصعوبة نحو الأنقاض،وبدأت
أنا وهو وبعض من الناس نبعد الأنقاض،وكنت أصرخ
مناديا زوجتي!
ابني مراد!
ابنتي مزن!
لكن لم يجبني أحدا منهم،وماهي إلا لحظات وكنا فيها
قد استطعنا إيجاد جثتي ابنتي وزوجتي بجانب
بعضهما البعض وقد فارقتا الحياة،بكيت كثيرا على
فقدان جوهرتاي ،ودعوت الله من كل أعماق قلبي
بأن يجمعني بهما في أعالي الجنان،وبينما أنا كذلك
أسمع صوتا قريبا يناديني أبي أبي وكأنه عرفني من
صوت بكائي وأنيني!،وأنا أيضا عرفته بقلبي إنه صوت
ابني العزيز مراد،بدأت أتتبع الصوت وأبحث بين
الأنقاض،لأجد يدا صغيرة ممتدة بين الأنقاض والدماء
تسيل منها،آلمني قلبي كثيرا كثيرا!
ركضت مسرعا نحوها ،أمسكت يده ووضعته بالقرب
من قلبي،قلت له أنا هنا يا عزيزي،ولم أتأخر للحظة
ولم أعلم من جاءتني كل تلك القوة التي ساعدتني
في إزالة تلك الأنقاض الثقيلة من فوق ابني مراد
خلال لحظات،وبعد إزالتها رأيته كيف قد كسرت
العديد من العظام في جسده الهزيل والدماء تسيل
من عليه،في الحقيقة لا أعرف كيف أصف هذا الشعور
المؤلم ولكن على الأقل خرج واحدا من أسرتي الغالية
حيا!
والحمد لله.