كانت هناك بيضات في عش بأعلى الشجرة،وكانت الأم
تتركها بعض الوقت في العش من حين لآخر بحثا عما
تأكله أو لتمضي بعض الوقت محلقة في الجو لترفه عن
نفسها قليلا،وذات يوم وهي غير موجودة على عشها،
أراد الغراب أن يسرق بيضة من البيضات،وفي اللحظة
التي اقترب فيها من العش،كانت الأم قريبة من العش
عائدة إليه،فصادفت الغراب اللص يريد أن يسرق من
إحدى البيضات،ودارت بينهما معركة شرسة فوق العش
تماما،مما أدى ذلك إلى سقوط بيضة من فوق العش
وتختفي بين الأعشاب،وبعدها هرب الغراب وظنت الأم
المسكينة بأنها قد انتهت من المشكلة ولم تعلم بأنها
قد فقدت إحدى البيضات،وفي صباح اليوم التالي
بدأت البيضة تفقس شيئا فشيئا،وخرج الفرخ الصغير
المسكين،يصدر صوتا ضعيفا تعبيرا عن حاجته
للطعام،و لكن للأسف كان وحيدا لا يعلم إلى أين
يذهب ليجد الطعام؟!،وهو بالكاد يمشي لأنه لازال
ضعيفا خارجا للتو من البيضة،وفجأة وكأن الله ألهمه
أن يحاول المشي ويحاول ،وفعلا كان يحاول كثيرا
المشي فيمشي خطوة ويسقط ،ويحاول تارة أخرى
فيسقط مرة أخرى وهكذا ،حتى استطاع المشي
أخيرا بخطوات بطيئة جدا،هذه المرة استطاع المشي
ولكن إلى أين ستكون وجهته،شعر الفرخ الصغير
بالحيرة مرة أخرى وبالشتات، والضياع،والجوع،وبدأ
من فوره
بالبكاء طويلا،وفجأة رأى دودة أمامه تزحف ببطء
تتجه نحو حفرة صغيرة،وبلا أي تردد قام الفرخ
الصغير واتبعها بخطواته البطيئة ،وفي الوقت الذي
أرادت فيه الدخول إلى الحفرة كان قد تمكن من اللحاق
بها فأمسكها وأكلها،أخذ يتأمل بداخل الحفرة فوجدها
مليئة بالديدان،فأخذ يدخل منقاره الصغير إلى الحفرة
ويأكل الدودة التي يتمكن من الوصول إليها حتى
شبع،واستمر في تعلم المشي وصار يمشي كثيرا
طوال اليوم حتى تمكن من المشي بكل سهولة،و
فجأة شعر بالعطش وبأن عليه أن يشرب الماء
ليرتوي،فعادت إليه مشاعر الخذلان والاحباط من جديد
وبدأ يمشي ويمشي ولا يعلم إلى أين ستقوده قدماه،و
بعد مشوار طويل وجد نهرا عذبا أمامه،لم يعلم لماذا
نفسه شدته إلى النهر،فاقترب منه وشعر بأنه لابد أن
يشرب منه ليروي هذا الشعور الغريب من العطش،وفعلا
شرب منه فأعجبه وظل يشرب ويشرب حتى ارتوى،و
فجأة توقف الفرخ الصغير للحظة وتأمل وضعه
فعرف بأن هناك من يلهمه ويرشده،وبأنه ليس وحده
رغم أنه لا يرى أحدا أصلا،وبأنه قد تخطى تلك
المصاعب وتعلم أشياء كثيرة في فترة قصيرة،وخرج
بفكرة مختصرة ومفيدة مفهومها أنه يستطيع العيش
وحده طالما هناك شيء معه لا يراه ولكنه يشعر به،و
فعلا ظل على هذه الحال إلى أن كبر وأصبح أبا
ومات.