KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 200723 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| موضوع: السِّراجُ السبت 21 سبتمبر - 11:00 | |
|
( 1 )
خلدَ الناسُ إلى نومهم بعد أن خيَّم عليهم الليل ، و أسدلَ ستارَ الظلمة ، فخلا كلُّ حبيبٍ بحبيبه ، و ناجى الخليلُ خليلَه ، هدوءٌ شملَ البلدة ، الأصواتُ ساكنة ، لا حِسُّ يُسمع ، و لا اضطراب حركةٍ ، نظامُ البلدة صارماً قاسياً ، لا يروقُ لأولئكَ الذين يعشقون المزعجاتِ في الظُلَمِ .. كان عبد اللهِ قد أخذ زوجه إلى دارِه في أولِ لقاءٍ بينهما ، جمعهما الحبُّ الشريف ، و العِشقُ العفيف ... أمسَك بيدها و أجلسها على قطعةٍ من الوسادة على أرضِ بيته الصغير .. لم يكُن يملكُ بيتاً فخماً تتراكضُ فيه الأخيلة ، و لا كان كثيرَ الغُرَفِ ، كان بيتاً لا يزالُ متواضعاً صغيراً ، لكنه جمعَ قلبينِ أضحيا من أوسع القلوبِ ... تبادلا النظراتِ السحرية ، همَسَا لبعضهما بأعذب كلمات الحبِّ ، لا لومَ عليهما فهما من أسعد الناسِ في البسيطة تلك الليلة ، حديثا زواجٍ ، جديدا عُرْسٍ ... كان سوادُ الليلِ شاهدٌ على عهدِ الوفاءِ بينهما ، و كانت الأقمارُ ترْقُبَ حالهما من أبراجها ، يا الله هل كانا يدريانِ بأن النجومَ تتكلَّم فيما بينها عن حال المحبين ، بل هل كانا يعلمانِ بأن الليلَ سيكون ناشراً خبرَهما يوماً ... ما أمتعَ الليل في طولِه ، و ما أجملَ سوادَه ، و لكن ويْحَ الليلِ إذا كشفَ السرَّ و باح بالمكتومِ ... بدتْ خيوط النهارِ تنسجُ في لباسِ الليلِ حتى زالَ سوادُه ، و ظهرَ شُعاعُ الشمسِّ قاتلاً ظلمةَ الليلِ ، أفسَدَ النهارُ حكايا الليلِ و مسامرةَ المحبوبِ ... خرجَ من بيتِه ليطلبَ رزْقَ يومِهِ ، لم يهنأ بيومِ عُرْسِهِ و زواجِهِ ، كم هي قاسية الأيام على شابٍّ في ريعانه ، في طلعةِ فتوَّتِهِ ، حتى ليلةَ العمرِ التي لن تتكرَّرَ لم تتركه في صبيحتها !! أنعمْ صباحاً عبدَ الله ، كيفَ ليلتك ، بالرفاءِ و البنين مكرراً ... هكذا حيَّاه الناسُ في تلك الصبيحة ... ذهبَ إلى أبيه مُصبِّحاً إياه ... قبَّلَ رأسَه ... ابتسمَ له أبوه ... كان ابنَه المُدَلَّل ، قبلَه عددٌ من الأبناءِ و البناتِ لم ينالوا من أبيهم ما نالَه هذا الصغيرِ ... تبَّاً لهذا الشيخ الكبير .. " هكذا قالَها أحد الأبناءِ يوماً قاصداً أباه " ... ... مرَّت الأيامُ السعيدة على ذاك البيت الملَكي الرائع ... بيتٌ جذَبَ أطرافَ السعادةِ إليه ... حسَدَ النساءُ زوجَتَهُ فتعرَّضْنَ طريقَ عبدِ لِيُوْقِعْنَه في حبائلِهنَّ ، حاولْنَ مراتٍ باءتْ بالفشلِ كلُّ محاولاتِهنَّ ... تباً لتلك القبيحة كيف اختارَها دوننا ، و نحنُ الحسناواتِ الجميلات ، هكذا قُلْنَ و بُؤْسَاً لقولِهِنَّ ... وهبَه الله جمالاً ساحراً ، و خُلُقاً عظيماً ، و صفاتٍ كاملاتٍ ، بُغية النساءِ في الرجالِ اجتمعت فيه ... لم يَدُم عبد الله مع زوجه كثيراً من الوقتِ فاضطرَّ إلى السفرِ في تجارةٍ له ، أياماً و يعود ... _ أترحلُ و تدعني ؟ _ الضرورةُ دفعتني ... اسمحي لي بالذهابِ .. _ لكنني لم أقضِ طويلاً في المكثِ معكِ ، بإمكانك تأجيلُ السفر ... نظرَ إليها نظرةَ الزوجِ الحنونِ ... _ سآتي و أمكثُ معكِ طويلاً ... سقطت دمعةٌ من عينها سلَّمتْ أمرها لربها ... _ و بُنَيَّكَ إنه يرفُضُ ذهابك .. ألا تشعر بحركته ... حسَّسَ بيدِهِ على بطنها ... ابتسمَ " سيكون معي في مجالسِ الرجالِ ، دعيني آتي من سفري " ... _ وداعاً أيتها الغالية ... ودَّعتْه و قد ذرفَ من العينينِ ماؤهما ... حدَّقَتْ ببصرها إليهِ حتى غابَ عن مرآها ... _ حفظك ربي ، و أعادك سالماً ...
( 2 )
مرَّت أيامٌ على رحيلِ عبدِ اللهِ ، طالَ غيابُه ، قلِقَتْ زوجتُه ، اضطربتْ حالُها ، بكتِ الدمَ دون الدمعِ ... مُحرِقَةٌ هي لحظاتُ انتظارِ الحبيبِ .. _ عمَّاه : طالَ غيابُ زوجي ... هكذا شكتْ حالَها لوالِدِ زوجِها ... لا يملكُ سوى ما عندها ، الخبرُ انقطع ... _ ربما لقيَ شيئاً فتأخرَ في الرجوع ، و هو ليس ممن يهوى التأخُّرَ ، كما أنه في تجارةٍ ، و التجارةُ تحكُمُ التاجرَ ... _ أسلِّم أمري لله ... بدَتْ طلائعُ القادمين من السفرِ ، خرجَ الجميعُ للاستقبال ، التعانُقُ و القُبَلُ تتبادَل ... رجفَ قلبُ الأبِ ، و الزوجُ في خبرٍ ماضٍ كان رجفانُ قلبها ، لم يرَ ابنَه ... _ أين عبدَ اللهِ ؟! تبادل الرُّكابُ النظراتِ ، كأنهم يرمون بالجواب على بعضهم ... حُقَّ لهم ، الخبرُ صدمةٌ في قلبِ الأبِ الكبير ... _ عبد الله مَرِضَ فمـ ... لم يُكمل كلامه و أكملتُه الدمعات و النشيج ... عرفَ الناسُ الخبر ... _ " مات " بصوتِهِ المُتَقطِّع من جراءِ المصيبة ... صاحَ بصوته العالي بالبكاءِ ... أبكى الناسَ معه ... " ليتَ الموتَ أخذ كلَّ أبنائي و تركَه لي " ... سمعَت زوجته بصراخِ عمِّها ... فهمت فصاحت و بكتْ ... إلهي ... ربَّاه ... عيونها غارقة بدموع الحزنِ ... هدأنها النساءُ ، و من يُطفئُ جمرة الفقدِ ... " ذهبَ عبدُ اللهِ لا سلوة لي بعده ، ليتني أنا .... " لا تكملي فليسَ أنتي من تقولُ ذلك ... لا تملكُ النساءُ شيئاً سوى الصمت ... اجتمع الرجالُ في المجلسِ العام يؤدون واجبَ العزاء ، جاءت الوفود من كلِّ حي و جهةٍ قد كان وجيها كأبيه ، بل كأهلِهِ كلهم ... ... سَرتِ الليالي كبرقٍ فتناسى الناسُ المصيبة ، و لم ينسها أبوه و زوجته ... بقيا ينتظرانِ مَن يُكَذِّبُ موتَه ... مرَّت الأشهر كالقرونِ ، لا جديد ... لم تعدمِ زوجها فقد كان أبوه لها ، رفعَ شأنها على بناته ، و قرَّب منزلها ، و أرسلَ نفقتها ، و " لا عِوَضَ عن عبدِ الله " ... هكذا تحدِّثُ نفسَها ... كبُرَ بطنُها ، و قرُبَ الطلْقُ ...... الله أكبرُ ... وَضَعَتْ ولداً ... ما أجملَ البشارة ... فرِحَ ألجدُّ ، فـ " ما أغلى من الولدِ إلا ولدُ الولدِ " ... هنأه الناسُ ، و باركوا له فيه ... أذهبَ قدوم الولدَ فقد الوالدِ ، و عاد للبيتِ أُنْسُهُ و سعادته ... _ " عمَّاه ... لم يَمُتْ عبد الله ... هذا ... " غلبها البكاءُ حنَّ الفؤادُ للمفقود ... _ " لم يمُتْ ... و سيُبقي حفيدي ذكرَ أبيه ... هل سميتيه ؟ " ... _ " رأيتُ في المنامِ أن اسمَه ( محمَّدٌ ) ... و قد أحببتُه " ... " إنه لَحَقٌّ و ربِّ البيت " .. هكذا قالَها جدُّه ... ... حيثُ كان يُحِبُّ السفَرَ صباحَ الخميس ، إذ الهدوءُ ، و الصفاءُ ، و النشاطُ ، جرى القلمُ على تلك الخُطى فسافرَ حِبْرُه فجرَ هذا الخميس لينسكبَ راقماً خاطرةً في أولِ نشأة بدوِّ نورِ السراجِ في الأرْضِ ، ثم ليستمِرَّ حبرُه في انسيابٍ ليقفَ على بقعةِ الضَّمِّ لجسَدِهِ ، ذاكَ هو الحبيبُ الأجلُّ ، الكاملُ المُفَضَّل : محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم . |
|
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 200723 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| موضوع: رد: السِّراجُ السبت 21 سبتمبر - 11:01 | |
| |
|
العراب قلم ماسي
الجنس : عدد المساهمات : 60624 تاريخ التسجيل : 30/09/2013
| موضوع: رد: السِّراجُ السبت 21 سبتمبر - 12:45 | |
| |
|
KEEM الإدارة الإشرافية
عدد المساهمات : 200723 تاريخ التسجيل : 10/09/2013
| |