أين أنا؟
كان أول سؤال تبادر إلى ذهني وقد بدأت أستعيد وعيي رويدا رويدا مع توقف شاحنة كنت على متنها.
خرج السائق البشري رفقة رفيقه واستدارا نحو مؤخرة الشاحنة لسحب القفص الذي حبساني فيه بعد أن حقناني بمادة غريبة افقدتني القدرة على التمرد والهرب.
ما إن وضعاني على الأرض حتى خرج بشري آخر رفقة كلبه الذي لمحني من بعيد فشعر بالسعادة. يبدو أنهم أحضروني لإيناس وحدته!!
تحدثا بضع دقائق ثم مد لهما الشاب كيسا من النقود الذهبية عداها دون ملل وما إن انتهيا استقلا شاحنتهما وغادرا تاركاني في هذا المكان.
سحب الشاب القفص للداخل وما إن أقرني في مكاني غادر رفقة كلبه.
كان المكان جميلا دافئا لكن السجن والخوف من المجهول سرقا مني الشعور به. كان الهرب ما يشغل بالي، لكن كيف؟ كيف؟
عادا بعد دقائق حاملا طعاما لي. وضعه أمامي وتمنى لي ليلة هانئة. ظل كلبه بجواري وما إن أغلق صاحبه الباب حتى سألني:
-هل أعجبتك الإقامة؟
كان صوته أنثويا ما جعلني أستغرب، لكنه أزال اندهاشي بقوله ضاحكا:
-ظننتني ذكرا أليس كذلك؟
تابعت قهقهاتها وهي تحوم حول قفصي، ثم قالت:
- اسمي كايا، وأنت؟
رددت دون مبالاة:
-كال
أردفت بابتسامة:
-مرحبا بك كال. لقد كنت مكانك العام الماضي، غشه البائع بقوله أني كلب، لكن ما إن اكتشف أني أنثى حتى أراد أن يقتلني مما جعلني أظهر له شجاعة كبيرة بالانقضاض عليه وطرحه أرضا، كنت قريبة من عض وجهه لكني توقفت عن ذلك، فلست أبدا ممن يمد يده على شخص أطعمه وآواه يوما. منذ تلك اللحظة شعر الشاب بالامتنان فاحتفظ بي وصار يلبسني مثله حتى لا يعرف جنسي أحد.
علقت متهكما:
- قصة مؤثرة، لكن ألم تتساءلي لما أحضرني أيضا إلى هنا؟ إن لم يكن لاستبدالك، أتراه ليزوجك؟
ضحكت مجددا مما أغضبني فصرخت:
-توقفي عن الضحك.
صمتت رضوخا لطلبي، وبعد دقيقة قالت:
-هون عليك، بتجربتي، هنا أأمن لك من الخارج. على الأقل سيدي ليس كمثل من خطفوك وباعوك بثمن بخس. بل شخص سيهتم بك كعينيه.
ثم اتجهت صوب مكان نومها وقالت وهي تتموضع فيه:
- ستعتاد قريبا كال، تصبح على خير.
كلامها طمأنني لكن أنى لي أن أعتاد. ظللت ليلتي مستيقظا أدور في مكاني باحثا عن مخرج من هنا، حتى يئست فالتجأت للنوم علي أستيقظ فأجد الأمر كله كابوسا مزعجا.
في الصباح الباكر استيقظنا على جرس الشاب محضرا طعام الافطار. يبدو أن الأمر واقع مر لا مفر منه.
لمح الشاب أني لم ألمس طعام العشاء فتجهم وجهه ولفظ بكلمات بنبرة حزينة بعدها وضع طعام الافطار بابتسامة ونبرة ودودة. كنت أشعر بالجوع لكن عزة نفسي أبت أن ألمسه، إن فعلت أصبحت مدينا له وهذا ما لا أريده.
تناولت صاحبته الافطار من يده وهي تحوم به وتلاعبه، كانا في قمة السعادة، لا أعرف ماهية الشعور الغريب الذي اعتراني برؤيتهما كذلك. وما ان غادر حتى التفتت إلي كايا وقالت:
- حاول أن تعتاد سريعا وإلا مت من الجوع، والموت جوعا ليس من شيم الشجعان. هيا سأخرج الآن لدي جولة مع سيدي في الحقول. اليوم يوم الصيد وعلي تتبع طرائده. ستفوتك متعة كبيرة وأنت قابع مكتئب في قفصك.
مر الصباح ثقيلا جدا جعل الجوع ينال مني، فاستسلمت له أخيرا وتقدمت نحو صحن الطعام وملأت بطني. كان الشاب كريما جدا معي.
في الظهيرة عادا معا بنفس الحماس الذي غادرا به، فهمت من صاحبته أن الصيد كان وفيرا. وأنها استمتعت جدا حتى أنها دعتني لترك العناد والرضوخ للواقع حتى يتسنى لي عيش نفس حياتها والاستمتاع بها.
مع الايام صرت معتادا على فكرة صداقة الشاب. تركت التمرد فخرجت من السجن واستمتعت بحريتي بجانبهما. كانت حياة مغايرة لكنها أكثر أمانا ومرحا كما ذكرت كايا من قبل.
كانت الامور تسير على مايرام إلى أن قررت الارتباط بكايا هنا تغيرت حياتي للأبد.