أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله واخشوه، ولا تخشوا أحدًا سواه، ولا تتعلقوا بتألُّهكم ونفعكم وضركم وأموركم كلها بغير الله، فإنه المالك القادر الذي بيده الحياة والإماتة وأمور الأرزاق، وبيده الإعزاز والإذلال والإغناء والإملاق: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 2، 3]، ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107].
فمتى علمت أن الأمور كلها بيد الله، فلمَ التعلق بالمخلوقين؟!
ولِمَ الخوف والرجاء والرغبة والرهبة لغير رب العالمين؟!
أليس الخلق كلهم عن مصالحهم ومنافعهم عاجزين؟! أليس الملوك والرعايا والأغنياء والفقراء والضعفاء والأقوياء إلى ربهم مضطرين؟! فما منهم من أحد يملك لنفسه - فضلًا عن غيره - نفعًا ولا ضرًّا ولا حياة ولا موتًا ولا نشورًا،
فتعين علينا ألا نستنصر ولا نسترزق إلا من ربنا،
وكفى به ناصرًا ورازقًا ووليًّا ونصيرًا، كيف نذل ونبذل كرامتنا لمملوك مثلنا عاجز فقير؟!
كيف نخشى ونخاف غير ربنا ونواصي العباد بيده وهو على كل شيء قدير؟!
أما تولَّى خلقنا وتدبيرنا ونحن في الأصلاب والأرحام أطوارًا أطوارًا، أما ربَّانا بأصناف نعمه، وغمَرنا ببره صغارًا وكبارًا،
أما صرف عنَّا السوء والآفات، ولطف بنا في كل الحالات والتنقلات،
أما أطعمنا من جوع، وكسانا من عري، وأمننا المخاوف،
أما يسَّر لنا الأرزاق ووقانا المحاذير والمتالف؟!
فيحق لنا ألا نحمد ولا نشكر، ولا نثني إلا عليه،
وأن نذكره آناء الليل والنهار،
ونتوكل عليه ويكون خوفنا ورجاؤنا ورغبتنا مقصورة عليه.