أبياتٌ من القصيدة الطويلة "إقراْ كتابَك" لشاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا رحمهُ الله..
القصيدة نُظمتْ بالزّنزانة رقم 375 بسجن البرواقيَّة بمناسبة الذكرى الرَّابعة للثورة الجزائرية، يوم الفاتح نوفمبر تشرين الثاني 1958، أُلقيتْ بالنِّيابة في (صوت العرب) بالقاهرة..
مفدي زكريّا:
هـذا (نُفمبرُ) قمْ وحيّ المدفعا *** واذكر جهادَك والسِّنينَ الأربعا
واقراْ كتابك للأنامِ مُفصَّلا *** تقرأ به الدُّنيا الحديثَ الأروعا
واصدعْ بثورتك الزَّمانَ وأهلـَهُ *** واقرع بدولتك الورى و(المجمعا)
واعقدْ لحقِّكَ في الملاحمِ ندوةً *** يقفِ السِّلاحُ بها خطيبا مصقعا
وقلِ الجزائرَ.. واصغَ إن ذُكرَ اسمها *** تجدَ الجبابرَ ساجدين ورُكَّعا
إن الجزائرَ قطعةٌ قدسيَةٌ *** في الكون لحَّنها الرَّصاصُ ووقعا
وقصيدةٌ أزليّةٌ أبياتُها *** حـمراءُ، كان لها (نُفمبر) مطلعا
نظمتْ قوافيها الجماجمُ في الوغى *** وسقى النَّجيعُ رويَّها فتدفعا
غنَّى بها حرُّ الضمير فأيقظتْ *** شعبًا إلى التحرير شمَّرَ مُسرعا
سمعَ الأصمُّ رنينَها فعنا لها *** ورأى بها الأعمى الطريق الأنصعا
ودرى الألى، جهِلوا الجزائرَ أنها *** قالت: أريدُ، فصمَّمتْ أن تلمعا
ودرى الألى، جحدوا الجزائرَ أنها *** ثارتْ، وحكَّمت الدِّما والمدفعا
شقَّتْ طريق مصيرها بسلاحها *** وأبتْ بغير المُنتهى أن تقنعا
شعبٌ دَعاهُ إلى الخلاصِ بُنَاتُه *** فانصب مذ سمع النِّدا وتطوَّعا
نادى بهِ جبريلُ في سوق الفدآ *** فشرى وباعَ، بنقدها وتبرَّعا
فلكم تصارعَ والزَّمانَ فلم يجد *** فيه الزَّمانُ وقد توحَّد مطمعا
واستقبل الأحداث منها ساخرًا *** كالشَّامخاتِ تمنُّعًا وترفعا
وأرادَهُ المستعمرون عناصرًا *** فأبى مع (التاريخ) أن يتصدعا
واستضعفوه فقرروا إذلالهُ *** فأبت كرامته له أن يخضعا
واستدرجوه، فدبَّروا إدماجَهُ *** فأبت عروبته له أن يُبلعا
وعن العقيدة زوَّروا تحريفهُ *** فأبى مع (الإيمان) أن يتزعزعا
وتعمَّدوا قطعَ الطريق، فلم تُردْ *** أسبابُهُ بالعُرْبِ أن تتقطَّعا
نسبٌ بدنيا العُربِ زكـَّى غرسهُ *** ألمٌ فأورقَ دوحُه وتفرَّعا
سببٌ بأوتارِ القلوبِ عروقُه *** إن رنَّ هذا، رنَّ ذاك ورجَّعا
تلك العروبُة إن تثُر أعصابُها *** وهنَ الزَّمانُ حِيالها وتضعضعا
الضَّادُ في الأجيالِ خلَّدَ مجدَها *** والجرحُ وحَّدَ في هواها المَنزعا
دنيا العروبة لا ترجّح جانبًا *** في الكتلتين ولا تفضّل موضعا
للشرق في هذا الوجود رسالةٌ *** علياءُ، صدَّقَ وحيَها فتجمَّعا
هذي خواطرُ شاعرٍ غنَّى بها *** في (الثورة الكبرى) فقالَ وأسْمَعَا
وتشوّقات من حَبيسٍ مُوثَقٍ *** ما انفكَّ صبًا بالكنانة مولعا
خلُصتْ قصائِدهُ فما عرفَ البكا *** يومًا ولا ندبَ الحمى والمربعا
إن تدعُهُ الأوطانُ كان لِسانها *** أو تدعه الجُلى، أجابَ وأسرعا
سمعَ الذَّبيحَ (ببربروسَ) فأيقظتْ *** صرخاتُه شعر الخلود فلعْلعا
ورآهُ كبَّر للصَّلاة مهلِّلاً ***في مذبح الشّهدا فقامَ مسمِّعا
ورأى القنابِلَ كالصَّواعقِ إن هوت *** تركت حصون ذوي المطامع بلقعا
ورأى الجزائرَ بعد طول عنائها *** سلكت بثورتها السَّبيل الأنفعا
وطنٌ يعزُّ على البقاء وما انقضى *** رغم البلاءِ عن البلى متمنّعا
لم يرضَ يوما بالوثاق ولم يزل *** متشامخًا مهما النَّكالُ تنوَّعا
هذي الجبال الشَّاهقات شواهدٌ *** سَخرتْ بمن مسخَ الحقائقَ وادَّعى
وإذا السياسة لم تفوِّض أمرَها *** للنَّار كانت خِدعةً وتملـُّقا
إني رأيتُ الكونَ يسجدُ خاشعًا *** للحقِّ والرَّشاشِ إن نطًقا معا
خبِّر فرنسا يا زمانُ بأنَّنا *** هيهات في استقلالنا أن نُخدعا
واستفت يا ديغول شعبك، إنه *** حكم الزَّمانُ فما عسى أن تصنعا
شعبُ الجزائرِ قال في استفتائِه *** لا!!لن أُبيحَ من الجزائر إصبعا
واختار يومَ الاقتراع نُفمبرًا *** فمضى وصمَّم أن يثور ويقرعا