أخبرو أمي أني تغيرتُ .
الساعة الثامنة صباحا أَزُجُ بنفسي فـي تلكَ الشوارع المليئة بعجرفة الناس وإبتساماتـهم الزائفة
طفل يحمل محفظـته ُ ويـَجُرَ كَفَ يَده إلى الأمام وإلى الخلف يبدو الفرح يَتَسَربَلُ إليه
إمرأة تمر عني لا شيء يشبهها سوى القمر ..
أعُود بذاكرتي قليلا .. فأنا الذي زَهِدَتْ في الحياة، إلـتَهَمْتُ بعض الكتب والمَقَالات لأجد نفسي مُفلس بلا درهم ولا دينار ولا حتى زواج ..
أتمشى وأمشي لأصْطَدِمَ بشخص أشبهُ بجدار أنفي ينزف من شدة الصدمة نظرت له وقلت : هل تعرف ستار تايمز ؟
بدهشة قال: هل هو إسم مشــفى أم مبنى ؟
بل لاشيء .. قلتها له وجعلته يتسمر في مكانه ..
أربعيني بلا زواج ولا عمل .. أمي المسكينة تغسلٌ الصحون في الأعراس وتُسَلِكُ المجاري في بنَك قريب منا
لا تندهش فَتلك البطونُ أكبر من يـَحتملها أيُ حَمـام ..
أبي توفي قبل أن أولد .. وترك بيتي مفتوحا للنحيب ليس عيب أن تولد يتيم أم هو عار في بلدتي ؟ لا أدري .. !
يتملكني الإشمئزاز كلما أتذكر حالي أصبحت كَشيء مسعور يتألم ولا أحد يشعر به ..
أحيانا أقول أن شخصا دَعَــا عَني . قبل ولادتي ومات.. لا أعتقد أنه والـدي .
أحاول النسيان : فهي النعمة الوحيدة التي آمنت بها حين خذلني كل شيء . . لا بل هي النعمة الوحيدة التي لدي .
على الساعة المشيرة للحياة في يومي التالي قررت أن أتغير نعم وأُفْرحَ أمي وأخبرها في المساء أني أنا وكلي خدمة لها ..
لن أعود إلا ومعي عمل يغنيها عن كل شيء .. لكن من سَيشغل هذا العجوز الهرم الذي أضحى مجرد خراب .. ما ضير التجربة
رحت أدق على أجراس الحي الراقي ، فكل له فيلا تٌسكن نصف قرية منكوبة ..
خرج رجل يحمل الوقار في جيب معطفه.. سلمت عليه .
فرد السلام ورحت أحاوره حوارا خارج سيطرتي شغلته بمشاكلي .. وملكني بإنصاته .
كأني ألقيت عليه تعويذة .. آمنت بالسحر حينَ رأيت تأثير كلامي عليه وتعلقت بالأمل حين رأيت نظراته لفقير نزعت الحياة منه كل شيء .
قاطعني بابتسامة خاطفة وقال ماذا تريد كيف أستطيع أن أخدمك ؟ هل أستطيع فعل شيء لك . ؟
أريد عمل أي شيء أسد به رمق بيتي وزيتي وخبزي .. وأسدد فاتورة مسكني هذا أكثر ما أريد .
أدخلني.. وقال أترى تلك الحديقة .. مندهشا لما رأيت أين هي أنا أرى جنة ! إبتسم وقال إجعلها مثلما قلت .
منذ رحل البستاني لم يخلفه أحد .. وقد أتيت أنت .
الكلمات تزاحم حلقي منذ ثلاثين سنة.. فلا أستطيع أن أخبرك بشيء سوى شكرا لك ..
عدت شابا في العشرين أعمل بجد وكد .. في نهاية المساء .. أعطاني ما أستحق وأكثر .
خرجتٌ أجر أنفاسي المرهقة أعبر الشارع القريب أسمع صوت المكابح يعلو صوت الإرتطام إجتمع الناس من حولي أرى الدماء تتسربل إلى عيناي لم أعد أرى شيء
صعدت روحه إلى السماء ووضعت جثته في الظلام .
أخبرو أمي التي تنتظرني أني تغيرت لكن قدري لم يتغير وتحملو عنها الفاجعة إن لم تتحمل .