[rtl]في لحظة يأس ينطق الضمير…و يصرخ الطفل الرضيع… و يحطم الصدى قلوب الهوى…فتختطف النظرة من العيون… و تولد الأحزان من الشجون… و تنزل الدمعة من صدا القلوب… حتى السراب فر من صحراء الكروب… لم أكن اعلم أن الحب يعدم رؤوس الكرامة…و يذل قلوب الشهامة… و أن وديانه لا تصب إلا في بحر الندامة… فتحولت نفسي إلى مدينة مهجورة جدرانها تبكي…و شوارعها تشكي… و منارتها تحكي… تحكي سيرة رجل قتله الكبرياء… و بكت لأجله السماء... فبللته الأمطار و سخرت منه الأقدار… هل أقص حكاية هذا الرجل أم حكايتي أنا....فالقلب واحد… و الحب واحد… و الجرح واحد…يومها مشيت على طريق الفضول… و صعدت جسور الخمول…حينها سمعت صوت أنين… فيه نبرة حنين…و ثقل سنين… فلمحت شيخا هرما يجلس على حافة الرصيف…يمسك بعكاز يسند به جسده النحيف… و تجاعيد وجهه و كأنها ارض قاحلة تنتظر أمطار الخريف… فدنوت منه ببطء شديد و سألته قائلا "أستسمحك يا شيخ و لكن ما الذي حدث في هذا المكان…و أين ذهب السكان… و ما الذي يبقيك هنا وحيدا على رصيف النسيان…"بعدها رفع رأسه و نظر إلي نظرة شوق ممزوجة بابتسامة و كأنه يعرفني ثم قال لي"ما حدث يا ولدي مأساة أنت ضحيتها و أنا سببها… أنت سجينها و أنا جلادها… ففي إحدى الأيام هبت رياح العشق… و تكاثفت سحب الشوق… فقصفت رعود البسمة…و لمع برق النظرة… فتساقطت أمطار السعادة… فأحيت مياهها الأنهار… و تفتحت الأزهار…و غردت الأطيار… و ابتسمت الأقدار… فما أجمل الحب يا ولدي عندما يفتح جناحيه ويطير في سماء الكلمة… و يحط على قبور الظلمة…ليبعث إنسانية الإنسان من توابيت القسوة… فتستيقظ الضمائر…و تدفى السرائر… و ما أجمل الحب عندما يحلق فوق قلوبنا كفراشة تبحث عن رحيق الكمال… و ورود الجمال… في قمم التلال…فاجتمعت الفصول في فصل الربيع… و التقت الأزمان في الزمن البديع… حتى حل علينا البلاء… من امرأة فيها زرقة العفة و الصفاء… و سواد المكر و الشقاء… أنا الذي استأمنتها في هذه البلاد… فطغت و استكبرت على العباد…كانت عندما تبتسم تهتز الأرض تحت أقدام عشاقها… و عندما تبكي تشح السماء من فوق رؤوس اتباعها… فجأة هجرت الأزقة… و خلت الأرصفة…و تساقطت الأقنعة.. فلم يبقى في هذا المكان إلا أنا قلب مليء بالجراح… في مدينة تسكنها الأشباح…".[/rtl]
[rtl]فبهرت بكلامه و كأنني سمعته من قبل و قلت له"هل أعرفك أيها الشيخ هل التقينا من قبل".حينها نهض من مكانه و نظر إلي مبتسما و قد برقت عيناه بالدموع ثم قال"الم تعرفني فانا قلبك الذي عشق… و حبك الذي شنق…و ألمك الذي عتق… أنا الذي تدلت لحيته من طول الانتظار...و ذهب بصره من هول الانكسار… و سافرت إليه الأحزان من كل الأقطار… فجفت عروقي… و تباطأت نبضاتي…و راح شبابي… و دنا اجلي… و فتح قبري…فطاعون الحب أضعفني… و سرطان الهوى أذلني…".[/rtl]
[rtl]حينها صمت أذناي من السمع…و تفجرت عيناي بالدمع… فقال لي"أتبكي علي أم تبكي على نفسك"فأجبته قائلا"ابكي على الزمن الذي تاه فيه الحب بين الرفوف…و انطفأت شمس الكسوف… و تراقصت الخيانة على وقع الدفوف…ابكي على يوم الغدر و غدر الأيام… و لوم القدر و قدر الآلام… و قلم الضجر و ضجر الأقلام…".[/rtl]
[rtl]بعدها غادرت ذلك المكان تاركا قلبي و قد اشتدت عليه الأسقام… و واصلت مسيرة كشف الحقيقة… حتى وصلت إلى وسط المدينة… التي لا يملؤها إلا صوت امرأة جميلة… تبيع الورود... في ساحة الخلود…فلمحت في عينيها ولعا و شجون… و في ابتسامتها حبا و جنون… فقلت لها"أيا بائعة الورد انثري عطرك على وجهي…و اغرسي أشواكك في قلبي… و زيني زوايا حجرة أحزاني…. و علقي باقاتك…و اسكبي رائحتك… و اقتلي كبرياءك… واحيي خلجاتك…فاكتبي كلامك… أو ارسمي صمتك… فلقد فضحتك عيونك… و سمعت صدى قلبك… فاستسلمي لي و ضعي راسك على صدري… و اغسلي ثيابي بدموعك… و احرقي جوارحي بنار شوقك… فلقد سقيتني من قطرات الندى… و أطعمتني من صحن الهوى… و أقحمتني في ساحات الورى… فانا أريد أن اخنق دمعتك بابتسامتي… و اجمع حزنك في قلبي… و استنطق شعورك بكلماتي… و اشتري سعادتك بشقائي…".فأطلقت ضحكة كسرت الجدران… و صمت الآذان… و قالت مستهترة…"ورودي لا تهدى… و قلبي لا يهوى… و نفسي لا ترضى …إلا برجل يعشقني حتى الجنون…و يلاحقني حتى تمر عليه السنون.. و لا ينال مني إلا الندم و سهر الجفون… فاربط أحلامه بحبل الأوهام…و ألهب قلبه بعذب الكلام… فلا يرى في النساء إلا غيري… و لا في منامه إلا طيفي… لأدير له ظهري…و احتفل بنصري… و أدونه في قائمتي..".حينها لم اصدق ما سمعت فجحظت عيناي و اسودت الدنيا من حولي ثم قلت لها"إن قطرة غرورك قد أفاضت كاس غضبي… و سهام حبك بدل أن تصيب قلبي أصابت كبريائي…و أنا الذي كنت اسأل نفسي دوما و أقول لماذا يلومني الناس على حبك…لماذا يطعنون لي في خلقك… هل هي مخالب الحقد… أم أنياب الحسد… لماذا تكرم الرذائل…و تحتقر الكمائل… و لكن أنا الذي جلبت لنفسي كل هذا فكيف سمحت لقلبي أن يعشق… و لسفينتي أن تغرق…و لأشواقي أن تحترق… فارني أين يسكن النسيان لأعوده…دليني أين يباع الصبر لأشتريه… دليني أين تغرس شجرة الحنين لاقتلعها… فأنت في الأخير قلب لكل الرجال…و أمل لكل الأنذال… و مفتاح شؤم لكل الأقفال… أقول لك فقط احذري من غدر الأيام… فالشر لا يغفل ولا ينام… و الدنيا تلقن دروسها من دون كلام…بل نفهمها من حبر الأقلام… أما أنا فلن ابحث عن الحب أبدا… بل سأنتظره اليوم أو غدا....[/rtl]