ذات أمسية صيفية، اجتمع خمسة رجال في في بيت أحدهم. وكان الواحد منهم لا يطيق الثاني. ومع ذلك يتجالسون في مجلس واحد كأنهم أصدقاء متحابون، ويضحكون على نكات بعضهم السخيفة الغبية التي يكثر فيها الهمز واللمز.
ظلوا يقلِلون من كرامة بعضهم البعض باسم المزاح. حتى وصل المزاح باليد. طرح الرجل خصمه أرضا. وقال المنتصر منهما بافتخار وقح: أنا أقوى منك... أنت الأضعف من بين أصدقائي!!
فرد المهزوم في محاولة منه للانتصار لكبريائه المجروح: لست صديقك... كما أنني لست صديقا لأيّ منكم... وسوف أجعل صرصور المجاري ينزل عندي بمنزلة الصديق بدلا منكم!.
ثم غادر المجلس وترك زملاءه يضحكون عليه وهم مستلقون على ظهورهم من شدة الضحك.
ذهب الرجل إلى حمامات الحديقة القذرة، -التي يُهمل تنظيفها عمال النظافة؛ ونتيجة ذلك تكثر فيها الصراصير.
التقط الرجل، باصبعيه، صرصورا صغيرا بحجم سنتمتر، يمكن ترويضه. ثم وضعه في صندوق زجاجي مفروشة أرضيته بالتراب. بالإضافة إلى قطعة خشبية صغيرة محاولة منه لمحاكاة جذع شجرة. كي يأخذ الصرصور راحته في اللعب، ويكون منزله الحقيقي المريح.
ظل الصرصور يأكل الطعام من يد الرجل. وكان الرجل يقول بحب:
-صرصوري الجميل... يا حشاشة قلبي!.
كبر الصرصور تحت رعاية الرجل الحسنة، ونبتت له أجنحة. وكان يتسلق ثياب الرجل ويطير في فضاء المنزل. وحين ينقلب على ظهره، يُقرب صاحبنا اصبعه من الحشرة المنقلبة فتعتدل من جديد وتعاود الطيران.
أتى اليوم الذي على الرجل رد اعتباره أمام زملائه الذين حطوا من قدره. خطا إلى مجلسهم بخطوات واضحة الثقة. قال وهو يضع يده في جيبه لاخراج الصرصور:
-أريد أن أثبت لكم صدق كلامي إن كنتم تتذكرونه يا من كنتم رفاقي.
أخرج الصرصور من جيبه. فطارت الحشرة وتفرق شمل الأصدقاء المذعورين إلى زوايا الحجرة فزعا من الصرصور.
التقط الرجل صرصوره وقال لهم بلهجة انتصار:
-ألم أقل لكم أن صداقتي مع الصرصور خير من صداقتكم الكاذبة... فالصرصور لن يتحول إلى عدو ما أن يحصل بيننا منافسة أو تحدّ. وإن الحشرات لا تحسد ولا تغار.
غادر الرجل متنفسا الصعداء تاركا أقرانه يضحكون عليه وهم مُستلقون على ظهورهم ملء أشداقهم. لكنه لم يبال بهم. تابع حياته بشكل طبيعي، وظل الصرصور صديقه قابعا في قفصه الزجاجي الهانئ.