رمضان أجمل دورة تغيير في حياتك
صيام رمضان فرصة كبيرة لإطلاق النفس من قيود الرغبات الشخصية، وتحريرها من أسر الأغراض المادية، والعادات المضرة، والترقي بها في طموحات أرحب وأفضل وأرقى وأزكى وأعلى، فالنفوس في رمضان عن الشهوات تترفع، وعن الملذات تتسامى، وعن العادات السيئة تبتعد، وعن كل غرض دنيوي تتعالى؛ لأن الصوم يقيدها ويهذبها، وينقيها ويصفيها.
فالصوم يعوِّد المسلم على التحمل والصبر؛ لأنه يحمله على ترك كل رغباته وعاداته السيئة، ومعلوم أن كبح جماح النفس وإلجامها فيه مشقة كبيرة، ولهذا كان الصوم من أقوى العوامل على تحصيل أنواع الصبر الثلاثة، وهي صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله، ومتى اجتمعت أدخلت العبد الجنة بإذن الله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
فالصوم يساعد المسلم على التغلب على نفسه الأمارة بالسوء؛ ومن عادة النفس أنها تدعوه لرغبات لا حد لها ولا منتهى، لكن الصوم يفوت عليها هذه الفرصة؛ إذ يكسر حدة هذه الرغبات ويقف لها بالمرصاد، فيضعف سلطان النفس وعتوها، وتمردها وجنوحها للعادات السيئة المضرة المهلكة.
ثم إن الصيام يضعف جريان الشيطان في الجسد، ومن ثَمَّ يضعف تسلطه على المسلم، فيعود هذا المسلم نقيًّا مهذبًا صالحًا، بعيدًا عن كل عادة سيئة وفعل شيطاني مهلك، ومتى أطلق المسلم لنفسه العنان، تمكن منه الشيطان وأخذ بيده لِما يريد به من الضلال والغواية، والحرمان من الخير، فتجده مسرفًا على نفسه بالبعد عن ربه، مختلفًا مع الخلق في كل صغيرة وكبيرة، عصبي الطبع مع أهله، حاد المزاج، سريع الغضب، قوي الانفعال، متهورًا في كل أموره، مندفعًا في كل قراراته فيدخل رمضان فيندفع تلقائيًّا كما معلوم نحو الصيام والقيام، والصلة والبر، والإحسان وقراءة القرآن، فترقُّ نفسه، ويخضع قلبه، فتنحسر عنه سبل الغواية، وتسلط الشيطان، فيعود خاضعًا ذليلًا لربه، رفيقًا بأهله، محافظًا على صيامه، محسنًا للناس، فما أجملها من دورة لتغيير النفس لو كان يعقل ويتذكر هذا الإنسان!
وما أجمله لو استثمر هذه الدورة في تغيير حياته نحو الأفضل، وأقلع عن كل ما يضر به ويدمر صحته وجسده!، إن رمضان هو أفضل فرصة للإقلاع عن العادات السيئة، وعلى رأسها التدخين، فإن الشخص إذا استطاع الامتناع عنه طوال اليوم لأكثر من 14 ساعة، فذاك دليل جازم على قدرته على الإقلاع عنه مدى الحياة؛ لأن ساعات الصوم الطويلة تؤدي إلى انخفاض مستوى النيكوتين في الدم؛ مما يسهل على المدخن ترك السجائر، والابتعاد عنها كليًّا، فالصوم عبارة عن دورة تدريبية؛ للإقلاع عن هذه العادة التي أرقت أذهان كثير من الناس، وجعلتهم يحتارون في كيفية تركها.