بسم الله الرحمن الرحيم
الموعظة النافعة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فتقسو القلوب لأسباب كثيرة، فتحتاج إلى من يلينها، ولذلك وسائل عديدة؛ منها: المواعظ؛ فللمواعظ تأثيرٌ في القلوب، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: المواعظ سياط تُضرب بها القلوب، فتؤثر في القلوب كتأثير السياط في البدن، والضرب لا يؤثر بعد انقضائه كتأثيره في حال وجوده؛ لكن يبقى أثر التألم بحسب قوته وضعفه، فكلما قوي الضرب كانت مدة بقاء الألم أكثر.
والموعظة ينبغي أن تشتمل على الترغيب والترهيب، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: العظة هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب.
والموعظة لا تقتصر على المسموع فقط؛ بل تشمل المسموع والمشهود، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: والعظة نوعان: عظة بالمسموع، وعظة بالمشهود.
فالعظة بالمسموع: الانتفاع بما يسمعه من الهُدى والرشاد والنصائح التي جاءت على يد الرسل، وكذلك الانتفاع بالعظة من كل ناصح ومرشد في مصالح الدين والدنيا.
والعظة بالمشهود: الانتفاع بما يراه ويشهده في العالم من مواقع العِبر وأحكام القدر ومجاريه، وما يشاهده من آيات الله الدالة على صدق رسله.
والموعظة النافعة هي الخالصة لله: قال محمد بن واسع رحمه الله: إن الذكر إذا خرج من القلب وقع في القلب، وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: المواعظ درياق الذنوب، فلا ينبغي أن يسقي الدرياقَ إلا طبيبٌ حاذق معافى، فأما لديغ الهوى فهو إلى شرب الدرياق أحوج من أن يسقيه لغيره، وقال بعض السلف: إن العالم إذا لم يرد بموعظته وجه الله زلَّت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
قال أبو حفص لأبي عثمان النيسابوري: إذا جلست للناس فكن واعظًا لقلبك ونفسك، ولا يغرنك اجتماعهم عليك، فإنهم يراقبون ظاهرك، والله يراقب باطنك.
قال الحسن رحمه الله: عظ الناس بفعلك، ولا تعظهم بقولك.