تصادف اليوم الإثنين، ذكرى مرور 23 عاما على "هبّة أكتوبر 2000" التي قام بها فلسطينيو الداخل المحتل؛ تضامنًا مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى" في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتأتي هذه الذكرى في ظروف حالكة جدا وواحدة من أخطر المراحل التي تهدد التماسك والوجود الفلسطيني بالداخل المحتل، سياسياً واجتماعياً، وتحمل الكثير من التحديات من دون رؤية واضحة لما هو قادم، رغم مرور 23 عاماً على واحدة من المراحل المفصلية في تاريخهم، والتي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم.
وتعود أحداث "هبّة أكتوبر" مطلع أكتوبر/تشرين الأول عام 2000، لتذكّر بمحطة مفصلية في نضال الفلسطينيين بالداخل المحتل ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، حين قدموا 13 شهيدا، خلال قمعه احتجاجاتهم على اقتحام رئيس المعارضة "الإسرائيلية" -آنذاك- أرييل شارون لساحات المسجد الأقصى.
  وما ينبغي الالتفات إليه من نقطة الزمن الراهنة، أن إحدى أبرز ردّات الفعل لدى الاحتلال، تمثلّت في جعل هاجس تكريس ما تسمى بـ"الدولة اليهودية" يتصدّر جدول الأعمال الحكومي والعام، مع ما يرتبط به من ترسيخ دونية مواطنة "فلسطينيي 48"، وقمع تطلعاتهم القومية.
وبات معروفًا أن هذا الهاجس أمسى طاغيًا أكثر فأكثر، وصولًا إلى سنّ "قانون القومية الإسرائيلي" في يوليو/ تموز 2018. ورسّخت "هبّة أكتوبر" وعي فلسطينيي الداخل المحتل بهويتهم الوطنية، رغم تهميشهم في اتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير والاحتلال "الإسرائيلي" عام 1993، واستثنائهم من أي حل مستقبلي بين الطرفين.
عوامل التفجير قائمة وتتزامن الذكرى هذا العام مع تعزيز الاحتلال، سياساته التي كانت سبباً في شرارة هبة القدس والأقصى عام 2000، سواء في القدس المحتلة أو الداخل أو الضفة الغربية وغزة، وهي تكتسب زخماً إضافياً في عهد الحكومة اليمينية الفاشية، التي توصف بالأكثر تطرفاً منذ قيام كيان الاحتلال على الأراضي الفلسطينية.
وفي حين تفجّرت الاحتجاجات في أكتوبر 2000 إثر اقتحام "شارون" الحرم القدسي، فقد ازدادت الاقتحامات منذ ذلك الحين بشكل ملحوظ، كما استمرت عمليات تهجير المقدسيين، ما يعني أن أحد أبرز العوامل لشرارة الهبة في أكتوبر لا تزال مستمرة.
 ويُضاف إليها التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين من قبل المستوطنين، ومواصلة حصار غزة، فضلاً عن استمرار تضييق الاحتلال على فلسطينيي الداخل المحتل في مختلف مناحي الحياة.
 وكانت الأوضاع في المسجد الأقصى وعموم القدس على شفا الانفجار في أكثر من مناسبة هذا العام، من بينها مثلاً خلال تنظيم ما يُسمى "مسيرة الأعلام" التهويدية، في مايو/أيار الماضي، "احتفالاً" باحتلال الشطر الشرقي من المدينة عام 1967، تحت مُسمّى "توحيد القدس"، بمشاركة عدد من الوزراء، حيث شهدت القدس مواجهات تجاوزت حدود البلدة القديمة.
وفي يوليو/ تموز الماضي، اقتحم ما يسمى "وزير الأمن القومي الإسرائيلي" الفاشي إيتمار بن غفير وعدد من وزراء الاحتلال باحات المسجد الأقصى على رأس أكثر من ألفي مستوطن.
وبلغ عدد المستوطنين الذين اقتحموا الأقصى في نفس الشهر ومارسوا طقوساً استفزازية، بحسب مركز المعلومات الفلسطينية، 6558، وهو الرقم الأعلى المسجل هذا العام.
وفي أغسطس/ آب الماضي، اقتحم المسجد الأقصى 3670 مستوطناً. من المؤشرات إلى ازدياد الاقتحامات للمسجد الأقصى ما رصده مركز "معطى" بتسجيل اقتحام 22456 مستوطناً للمسجد حتى مايو الماضي، مقارنة بـ20217 في الفترة الموازية من العام السابق.
واستمرت الاقتحامات التي تكتسب شرعيتها من الحكومة في الأعياد اليهودية، من ضمنها "عيد العرش" خلال سبتمبر/ أيلول الماضي.
 وتغذي حكومة الاحتلال الحالية الظروف التي من شأنها إشعال انتفاضة جديدة، في الضفة الغربية أيضاً، من خلال اعتداءات المستوطنين المتكررة على الفلسطينيين وقتلهم، وإحراق بيوتهم، مثل ما حدث في حوارة وبرقة وقرى نابلس والعديد من المناطق أخيراً.
يُضاف إلى كل ذلك عدوان الاحتلال على مخيم جنين في يوليو/ تموز الماضي، الذي أسفر عن عدد كبير من الشهداء والمصابين وتدمير المخيم.
 وعلى مستوى الاستيطان، أعلنت حكومة الاحتلال، خلال الأشهر الماضية، عن نيتها بناء آلاف الوحدات الاستيطانية.
كما عُرض، في الآونة الأخيرة، مخطط لزيادة عدد المستوطنين إلى مليون في الضفة الغربية.
ويتداخل المشهد مع قضايا الداخل الفلسطيني المحتل، حيث تستمر سياسة هدم البيوت والمصادرات، وتهجير الأهالي، خاصة في منطقة النقب، بالإضافة إلى حملات الملاحقات التي تطاول الشبان الفلسطينيين، خصوصاً على خلفية هبة الكرامة في مايو/ أيار 2021، ومحاكماتهم المستمرة حتى اليوم، وإصدار أحكام عالية بحق عدد منهم.
ووسط كل ذلك، تتصدر الجريمة المشهد، مع نحو 200 قتيل منذ مطلع العام الحالي، ونحو 2000 منذ هبة القدس والأقصى في العام 2000، ما يزيد من حدة السخط على المؤسسة "الإسرائيلية" المتواطئة مع الجريمة.