بالعمارة رقم7 الشقة 5، كان واجما كالجبل في حضن الظلام حين داهمته رقية بتنهيداتها قائلة :محمود لقد أكدت كل الأخبار أن العيد غدا
تنهد بعمق بعد أن سحب نفسا طويلا حتى تراقصت أمامه كل أحزان العالم و تعثر النور أمام عينيه .تتحرك الأزمنة و يتحرك التاريخ ،و هناك طفلة في كف الحزن
و رقية تنظر اليه بنظرات مذهلة و هو ينظر اليها ليفسح الطريق للغة العيون كي تنطلق . كان حديث النظرات أقوى كالهجمة الشرسة التي ينظمها الغاصب المحتل
من أجل الإنقضاض على ما تبقى من أحياء القدس الشريف و على المسجد الأقصى . تجمدت الذكريات في حلقه حين ذكرته رقية أن فلذة كبدهما الوحيدة
تحتاج الى فرحة العيد كقريناتها ،تحتاج الى هدايا العيد كي تعيش فرحة العيد . تساءل كيف لرقية أن تطلب منه شراء هدايا في هذا الزمن العصيب
ألا ترى أن البلد يحترق و أن عيد هذه السنة تزامن مع الحرب المستعرة على كل فلسطين . كانت عيناه منغرستان في عيون رقية و هو يتابع باهتمام بالغ طلباتها .
فتتشكل الأشباح حكايات و تنفلت من زمنها و تأتي حكايا القدس و المسجد الأقصى و الضفة و غزة ، فيتأوه باب العمارة
هناك كهف للموت المفاجئ و شمس دون غروب و وحشة .
واجما كالجبل في حضن الظلام و هو يتابع تفاصيل الكلام الآتي من شفاه رقية ، رقية شريكة حياته و رفيقة طفولته ، و صاحبته التي تعيش لأجله
تفحص وجهها جيدا فخمن أن معالم الذكريات بدأت تنطمس من ربوع وجهها و تختفي وراء موجات سنين العمر الهارب . ممرات ضيقة
دهاليز و أنفاق تفضي بك الى الفراغ و رقية ها هنا تتساءل هل هناك خطأ ما ؟ متى سيتداركونه ؟ .
لم تمض سوى ثوان قليلة حتى هز المكان انفجار كبير سببه صاروخ أطلقته الطائرة المغيرة لتمسح العمارة رقم7 عن
آخرها من على جغرافيا الحياة ، فارتقى محمود و رقية و بنتهما شهداء الى جوار ربهم .