كعادته تزحزح من على سريره الذي حمله وحده لعقدين من الزمن ، نط في اتجاه سنوره الوفي
رش بيديه الماء على وجهه فأحس بأن الحياة بدأت تعود اليه..نظر الى مرآته فوجد أمامه وجها غريبا اعتلاه الشحوب ، تساءل : ما بك يا أحمد و قد فقدت لونك المعهود ؟؟هل بدأت تشيخ دون أن تشعر بفعل الزمن ؟ أين هي نضالاتك؟أين صمودك أمام طواغيت العصر ؟ أين تربيتك لأجيال مضت ؟ أين تضحياتك ؟ هل ذهب كل ذلك أدراج الرياح ؟؟ ثم استطرد مهونا على نفسه لا تقلق يا أحمد لديك مسؤولية ثقيلة ، تذكر قول محبيك حين طلبوا منك ذاك المساءو في تلك الجلسة الثقافية أن تزيدهم مما تخط يداك ، طلبوا منك أن لا تتراجع الى الوراء بل عليك حمل راية هذا المشعل و تكون دوما مع البسطاء . أحس بالفكرة تشق أعماقه ، فكرة البسطاء و الحياة معهم قلبا و قالبا ، عاد لتوه الى مكتبه أخرج مذكرته فدون العنوان التالي " مع البسطاء "تأبط محفظته و خرج قاصدا مقهاه المفضل و هو يصيح في أعماقه ، وجدتها! وجدتها ! . في طريقه و كعادته كان يلقي التحية على كل من يصادفه يستطلع أحوال الناس الضائعين منهم على حواشي الطرقات ، و الكادحين الذين يبحثون عن قشرة خبز يابس و قد لا يجدونها . حتى الأطفال المشردين منهم و أبناء الشارع الذين عمروا الدروب و الطرقات . و كذا الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن في حروب طاحنة لا معنى لها هن الآن يعشن الضنك مع أبنائهن اليتامى تحت خيمة البؤس و النسيان . آه ..كم هي قاسية هذه الحياة و هو يعبر ممرا صغيرا يربط بيته و مقهاه المفضل لكن درب الحياة الإنسانية كان طويلا جدا جدا و مكفهرا ، إنه درب البسطاء و المقهورين في مجتمعاتنا الإنسانية . حين وصل الى المقهى اتخذ لنفسه مكانا قصيا في جناح المثقفين بسرعة أخرج حاسوبه الصدئ و صار ينقر عن الألواح الإلكترونية فدون رسالته الألف الى جمهوره و هو يعلن من خلالها أنه ها هنا سيظل يحيى مع البسطاءهذه الشريحة التي تشكل الطبقة السفلى و الأغلبية في عدد سكان العالم و التي تعيش على فتات الطبقة العليا .
حتى في الإنتخابات يستعمل هؤلاء كوقود لديموقراطية مزيفة تحكم بمقتضاها الأقلية الأغلبيةالبسيطة و الصامتة و التي عليها تدور كل الطواحن ..
فجأة جلس بالطاولة المجاورة رجل و امرأة بلباس عصري فاخر لا يتناسب مع الجالسين بالمقهى ، يبدو أنه زوج و زوجته و هما يتكلمانبخليط من العربية و العجمية. بعد أن طلبا نوعية فطورهم المفضل . استجاب النادل فورا لطلبهما ، إلا أن الزوجة بدأت تصرخ محتجة علىنوعية الفطور الغير مناسب فأمطرت النادل بألفاظ لا تليق . طأطا النادل رأسه و لم يجبها . بل تطاولت عليه أكثر خصوصا لما ساندها في ذلكزوجها و هو يومئ برأسه مشجعا كلامها . هنا تدخل أحمد قائلا : اعتقدت أنكما من الطبقة المثقفة لكن بعد تصرفكما هذا اتضح أنكما بعيدان كل البعد عن جنس الإنسان و لا تفقهان شيئا في التعامل و لا المعاملة . انتصر أحمد للنادل البسيط المظلوم و هو يواسيه بكلماته أمام الملأ .أكد أحمد أن فطورهما كان أفضل من فطوره و تعجب لسلوك تلك الزوجة المتعجرفة فأدخل ذلك في خانة قلة الأدب و التسلط على البسطاء وقف أحمد أمام الحضور منفجرا كبركان ثائر و هو يعلن مساندته المطلقة للبسطاء . سقطت دموع على وجنتي النادل المسكين الذي أحس بالغبن . هنيهة و بعد مهاتفة الزوج لزبانيته حضرت سيارة أمن . دخل شرطيان بدينان و بعد تحرياتهما المزيفة تم اقتياد أحمد الى المخفرلاستكمال التحقيق بدعوى تهجمه و إهانته لباشا المدينة ..