أفضل الصيام بعد صوم رمضان
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
ما أفضل شهور العام للصيام بعد رمضان؟
اختلف العلماء (رحمهم الله) في أفضل شهر يُتـطوَّع فيه بالصيام، على أقوال:
القول الأول: أفضل الصيام بعد رمضان: الصيام في (شهر الله المحرم)، وهذا مذهب جمهور العلماء: به قال الحنفية -في الجملة- حيث قالوا: يُستحَبُّ صيام الأشهر الحرم[1]، وهو مذهب المالكية[2]، والشافعية[3]، والحنابلة[4].
واستدلوا على ذلك: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قالَ: ((أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ))[5].
وجه الاستدلال: التصريح في الحديث بأن أفضل الصيام بعد رمضان: الصيام في شهر المحرم.
القول الثاني: أفضل الشهور للصيام بعد رمضان: الصيام في (شهر شعبان)، ولهم تفصيل، والتفصيل هو: أن صيام التطوع ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: التطوع المطلق، وهذا أفضله: التطوع بالصيام في شهر المحرم.
الثاني: ما كان صيامه تبعًا للفريضة، فهو أشبه بسنن الرواتب؛ كالصيام فـي شعبان قبل رمضان، وصيام الستة من شوال بعد رمضان، فهذا ليس من التطوع المطلق؛ بل هو تابعٌ للفريضة، وينزل منزلة الرواتب، ومعلـومٌ أن السنن الرواتب مُقدَّمةٌ على التطوع المطلق، وهذا قول بعض الشافعية[6]، وبعض الحنابلة (ابن رجب) [7].
وحملوا الحديث: ((...وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)) [8] على التطوع المطلق [9]، واستدلوا على ذلك بأدلة:
الدليل الأول: ما ورد في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
((كان رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصومُ حتى نقولَ: لا يُفطِرُ، ويُفطِرُ حتى نقولَ: لا يصومُ، وما رأيتُ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- استكمَلَ صِيامَ شَهرٍ قَطُّ إلَّا رَمضانَ، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثَرَ منه صيامًا في شَعْبانَ)) [10].
وجه الاستدلال: لو كان الصيامُ في شهر المحرم أفضلَ؛ لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأفضلَ، وأكثَرَ مِن الصيام في شعبان (المفضول).
الدليل الثانى: عن أنس -رضي الله عنه-: سُئِلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-:
أيُّ الصومِ أفضلُ بعدَ رمضانَ؟ قال: ((شعبانُ؛ لتعظيمِ رمضانَ))، قال: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال(الصدقةُ في رمضانَ))[11]. وجه الاستدلال: التصريح في الحديث بأن أفضل الصيام بعد رمضان: الصيام في شهر شعبان.
القول الثالث: أفضل الشهور للصيام بعد رمضان: الصيام في (شهر رجب)، وهذا قول بعض الشافعية؛ الرُّويَانِيُّ[12].
الترجيح: الراجح في نظري -والله وأعلم، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان، وأسأل الله أن يوفقني إلى مراده- هو قول الجمهور بأن أفضل الصيام بعد رمضان: الصيام في شهر الله المُحرَّم.
برهان ذلك: الحديث الصريح: سُئِلَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: ((أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ))[13].