"في موطني شيءٌ يُسَمَّى المعبَرْ، وأنا أُسمّيهِ بقلبي الخنجَرْ، هل كان جُرْماً أن تطير حمامةٌ ولها جناحٌ قد يُحَلِّقُ أكثَرْ"، حروف من وحي الألم نطقت بها طالبة الماجستير الشاعرة الفلسطينية "آلاء نعيم القطراوي"، بعد أن مُنعتْ من السفر للمشاركة في مسابقة أمير الشعراء بسبب إغلاق معبر رفح، وتختم عبر حسابها على الفيسبوك أبياتها الشعرية بهاشتاق "#أمير_الشعراء" "#تبّاً_للحصار".
"إغلاق المعبر" كابوسٌ يطارد أحلام الكثيرين في غزة، فالأرض الطيبة أبى العالم إلا أن يحولها إلى سجن كبير ببوابةٍ محكمة الإغلاق تمارس دورها بدرجة عالية من الحقد، حصار اشتد وثاقه ومنفذ وحيد فاضت أرواح كثير من المرضى على أعتابه، فكانت المسافة إلى الجنة أقرب إليهم من تخطي المعبر.
جرح غائر
حين جاء موعد التقديم للمسابقة قررت "القطراوي" أن ترسل قصيدتها (كأنك والكمنجة توأمان ) عبر بريد المسابقة، ثم طلبوا منها بعد ذلك إرسال قصيدتين أخريين، فأرسلت ( سيمفونية القصف والحب ) و( لم يكن ملحاً هذا البكاء ).
تقول: "حين وصلتني الفيزا وتذكرة الطيران، شعرت كيف يمكن أن تتحول الأحلام إلى حقيقة ، لكن حينما واجهني المعبر المغلق، شعرت كيف يمكن أن تتحول الأحلام إلى جرح غائر في الروح !
ومن لم يرحم مريضاً ولم ينتفض جسده لعذابات طفل أو امرأة، كيف لإنسانيته المفقودة أن تحترم نماذج مشرّفة من الإبداع والتألق، وتُتمّ لها فرحة النصر !
تصف "القطراوي" مشاعرها حيال عدم اكتمال الأمنية التي لطالما حلمت بها. "أحسست بالقهر مرّاتٍ كثيرة ، لكن هذه المرّة كان مختلفاً، فما معنى أن تعطي الإنسان كل شيء ( وتحبسَه ).
وتضيف:" ما معنى أن يُسْرَقَ حلمك أمام الجميع ، دونَ أن يقول أحدٌ للسارق : تبّاً"، لستُ حزينة لأنني لم أتمكن من السفر للمشاركة في المسابقة، وقد تأهلت للمشاركة في الموسم السادس، حزينة لأنَّني لا أستطيع الإحساس بإنسانية الإنسان".
من المسافة صفر
ويعد برنامج أمير الشعراء في أبو ظبي أحد أهم البرامج التلفزيونية في العالم العربي التي تستلهم التراث العربي العريق، وتهدف لاستعادة روائع الشعر والأدب العربي وإحياء الموروث الثقافي العربي وتحفيز الحراك في مشهد الشعر العربي المعاصر.
الأمنية التي رافقت "القطراوي" منذ أعوام من أجل أن توصل صوتها للعالم، تقول "كأيِّ شاعرٍ يرغبُ في إيصالِ صوتهِ إلى الخارج، ويؤمن أنَّ الحلم يحتاج إلى جرأة ومغامرة"، وأردفت حديثها: "منذ الموسم الأول لظهور أمير الشعراء حين كنت طالبة في الثانوية ، وأنا لديّ أمنية خفية في الروح، أن أقف على مسرح شاطئ الراحة أمام لجنة التحكيم ذات يوم.".
وحصلت "القطراوي" على العديد من المراكز الأولى في أكثر من مسابقة على مستوى فلسطين ، ومن أبرزها جائزة فلسطين للإبداع الشبابي والوسام الذهبي في أفضل مجموعة شعرية عام 2011 ، ولها ديوان شعري بعنوان ( حين يرتجف الهواء )، كما أن لها كتاب جديد الآن في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعنوان ( من المسافة صفر )#رسائل_تحت_الحرب.
الكاتبة "رنا العلي" تخاطب رفيقتها "القطراوي" ببضع كلمات علّها تداوي الجرح الذي خلّفه المعبر أو "الخنجر" داخل قلبها الذي ما زال مُزهراً بالأمنيات، فتقول :"المسافة الصغيرة هذه، على كبرها، بين أبو ظبي وغزة كانت أكبر من أن تطويها قصيدة، أو تختصرها المسافات، وحدهُ مقعدكِ سيكون شاغراً، وسيكون عليّ أن أرسل اسمكِ لهم برسالة sms لأخبرهم أنكِ "أميرة الشعر"، وإن خانتكِ المعابر والأرصفة".
وتختم العلي: " لا عليكِ آلاء، كلّ ما في الأمر أن البرنامج خسر بهاء حضوركِ، وأنتِ خسرتِ قيمة التذكرة فقط".
محاولات والنتيجة رفض!
لم تقف "القطراوي" مكتوفة الأيدي أمام إغلاق معبر رفح أمامها، تقول:" حاولتُ كثيراً الخروج عبر معبر إيرز، لكنني لم أفلحْ بذلك، لم أسافر وبقي حلمي دامياً، ولم أجد أحداً ملتفتاً لصوتي الشعري الذي بات مخنوقاً خلف معبر رفح المصري".
ما أثار غضبها أن المسؤولين عن المسابقة لم يرسلوا لها الفيزا إلا قبل يومين من السفر، رغم تنويهها لهم بضرورة إرسال الفيزا لها مبكراً بسبب المعبر، وتتابع:" أخبرتهم أن يتيحوا لي المشاركة عبر الفيديو كونفرنس أو السكايب لكن أيضاً ووجهت بالرفض، ولم يقبلوا ذلك.
شعرت "القطراوي" بقهر شديد، وحسبما أخبرتنا أنها لأول مرّة تشعر كيف أن الفلسطيني يفقد كل شيء في لحظة قصيرة جداً لا لشيء عدا أنه فلسطيني، وكيف يفقد الطالب منحته الدراسية خلف أبواب المعبر، وكيف يموت المريض متوجعاً على بابه، وكيف ينزف الشعراء مثخنين بقصائدهم خلف أسواره البغيضة.
وفي ختام حديثها وجهت "القطراوي" رسالة إلى إدارة المسابقة قائلة: "كان عليكم أن تتعاطفوا مع شعراء غزة المتأهلين، وأن تمنحوهم هذه الفرصة ليقدموا أشعارهم وأصواتهم أمام لجنة التحكيم ، فإنّ هنا ما يستحق أن يُسمَع، بعيداً عن الركام وقريباً من وردةٍ نبتت تحت القنابل".
.