بإحدى زوايا البلدة القديمة في نابلس لا يزال مخبز الهنود يحتفظ بحكاية عريقة للكعك الشامي تشبه عراقة المكان، والحديث عنها لا يفارق جلسات الحاج أبو الأمين الأسمر الذي قضى 65 عاما بين كنفات مخبزه وأصبح مرجعا يقصده المارة والسائحون لتعود بهم الذاكرة لقرون قد خلت.
فالكعك الشامي أو ما يعرف بالقليط في تركيا البلد الأم له، توارثته مخابز مدينة نابلس جيلا بعد جيل بعدما تعلمه أحد الخبازين من المخابز التركية في العاصمة اسطنبول، فيذكر الحاج أبو الأمين 77 عاما صاحب مخبز الهنود "كنا بالسابق نستورد الكعك الشامي من سوريا لكن بدأنا بصناعته محليا بعد أن تعلمه أحد الخبازين القدامى من عائلة التمام في الحرب العالمية الأولى إثر التحاقه بالجيش التركي".
ففي السابق كان الكعك الشامي مونة غذائية يمد بها الجيش التركي أثناء الحروبات لما يتميز به من صلابة تماسكه ودوامه لفترة أطول واحتواءه على عناصر غذائية مشبعة.
ويعزي أبو الأمين سبب التميز للكعك الشامي عن غيره من الحلويات بطريقة التخمير التركية لعجينة الكعك والتي تصنع من الحمص فيقول لمراسلة دنيا الوطن "نخمر العجينة وفقا للطريقة التركية بنقع بضع حبات من الحمص بالماء لمدة يوم كامل ومن ثم نستخدم الماء الناتج بدلا من الخميرة".
ولم تقتصر صناعة الكعك الشامي على الطرق التركية المتوارثة بل ابتكر الحاج أبو الأمين طريقة لقياس درجة الحرارة للخميرة والتحكم بها عبر قنديل مغطى بعلبة حديدية تحتوي على عدد من الثقوب لتوضع الخميرة فوقها.
ومخبز الهنود على غرار غيره من المخابز الآلية ظل محافظا على تراث آلاته حيث يستخدم بابور الكاز لخبز الكعك فيضيف أبو الأمين "لا زلنا نحافظ على الطرق اليدوية في صناعة الكعك الشامي وخبزه وهو ما يزيد من نسبة الاقبال عليه وبخاصة منطقة الجولان والقرى الفلسطينية".
كعك الشام المصنوع من الطحين والسكر والسمسم والمحلب يخفي وراء مذاقه الحلو دواء للمعدة التي تمثل بيت الداء فيمنع الإصابة بالتلبك المعوي ويزيل رواسب المعدة بفضل الخميرة التركية المصنوعة من منقوع الحمص.
.