معالم في العشر الأواخر
مضى ثلثا هذا الشهر العظيم، اجتهد فيها من اجتهد بالعبادة والطاعة، والتقرب إلى الله - سبحانه - بالحسنات والأعمال الصالحات، مقتفياً بذلك هدي قدوة الأمة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، الذي "كان أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ"، وعازماً على الصيام والقيام إيمانا بالله وتصديقاً بوعده واحتساباً للأجر المتحصل على هذه الأعمال الفاضلة، وقد قال الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - مبشراً لمن هذا صفته وذلك عمله: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه)) رواه البخاري، وقال: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه، وبقي ثلثه الأخير، وعشره المباركات، والتي كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - يحتفي بها، ويقدمها على غيرها، بل ويتفرغ للعبادة فيها، كل ذلك حرصاً منه - صلى الله عليه وسلم - وهو يبني منهجاً لأمته بأن تجعل من تلك الأيام والليالي معالم في طريق التقرب إلى الله، واضاءات في طريق المسابقة إلى الخيرات، ومنارات في طريق المنافسة في الطاعات، وعلامات في المسارعة للحسنات، ومن أبرز تلك المعالم ما يلي:
أولاً / جده واجتهاده - صلى الله عليه وسلم -:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره. رواه مسلم، وقال أيضاً - رضي الله عنها - فيما رواه الإمام مسلم: "كان رسول الله إذا دخل العشر، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجدَ، وشد المئزر".
"والجدّ هو: بذل الجهد في طلب الطاعات، أو في فعلها، أي: بذل ما يمكنه من الوسع، وذلك يستدعي أن يأتي الطاعة بنشاط ورغبة، وصدق ومحبة، ويستدعي أن يبعد عن نفسه الكسل والخمول والتثاقل، وأسباب ذلك، ففي أي شيء يكون هذا الجدّ؟.
الجد في الصلاة فيصلي في الليل والنهار ما استطاع.
والجد في القراءة أن يقرأ ما تيسر من القرآن بتدبر وخشوع وقلب حاضر.
والجد في الذكر أن يذكر الله ولا ينساه، ولا يزال لسانه رطبا بذكر الله.
والجد في الدعاء أن يدعو ربه تضرعا وخفية وأن يكثر من الدعاء.
والجد في الأعمال الخيرية المتعددة من النصائح والعبادات، وما أشبه ذلك.
والجد في العلم والتعلم وما يتصل بذلك، أي الاجتهاد في الأعمال كلها".