فاتقوا الله أيها المسلمون ،
وتعلموا أن الموت حق لازم لكل حي
قال تعالى
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)
وقال تعالى
(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )
الموت : مهلك العباد ، مُوحش البلاد ، وميتم الأولاد ، ومذل الجبابرة الشّداد .سيوفه على العباد مسلطة ، ورماحه على صدوهم مشرعة ، وسهامه لا تخطئ عن الأفئدة .
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته .... يوما على آلة حدباء محمولُ
الموت : لا يرحم صغيراً ، ولا يوقر كبيراً ، ولا يخاف عظيماً ،
لا يستأذن على الملوك ، ولا يلج من الأبواب .
تزود من الدنيا فإنك لا تدري .... إذا جن ليل هل تبقى إلى الفجرالموت : يموت الصالحون ويموت الطالحون ، ويموت المجاهدون ويموت القاعدون ،
يموت مريدوا الآخرة ، ويموت مريدوا الدنيا .
هو الموت ما منه ملاذ ومهرب .... متى حط عن نعشه ذاك يركبقال الحسن : فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب عقلاً .
وقال الثوري : لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون ما أكلتم منها سميناً .
وقال التيمي : شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت ، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى .
ونظر ابن مطيع ذات يوم إلى داره فأعجبه حسنها ، فبكى وقال : والله لولا الموت لكنت بكِ مسروراً .الموت بابٌ وكلُ الناس داخلُه .... يا ليت شعري بعد البابِ ما الدارُ
كفى بالموت مقرحاً للقلوب ، ومبكياً للعيون ، ومفرقاً للجماعات ، وهادماً للذات ، وقاطعاً للأمنيات .
إنه جدير بمن الموت مصرعُه ، والتراب مضجعه ، والدود أنيسه ، ومنكر ونكير جليسه ، والقبر مقره ، وبطن الأرض مستقره ،والقيامة موعده، والجنة أو النار موعده ، أنْ لا يكون له فكر إلا في الموت ، ولا ذكر إلا له ، ولا استعداد إلا لأجله ، ولا تدبير إلا فيه ، ولا تطلع إلا إليه ، ولا تأهب إلا له .
أيها المسلمون : لقد دعانا النبي إلى الإكثار من ذكر الموت فقال :
( أكثروا ذكر هاذم اللذات ) ، لأن في الإكثار من ذكره ، زهد في الدنيا ، ورغبة في الآخرة ،
وإقبال على الله تعالى . قال الدّقاق : من أكثر من ذكر الموت أُكرمَ بثلاثة أشياء : تعجيل التوبة ، وقناعة القلب ، ونشاط العبادة ، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء : تسويف التوبة ، وترك الرضا بالكفاف ، والتكاسل في العبادة ) .وقال( كنتم نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة ) وفي رواية ( ترق القلب )
وفي رواية ( تدمع العين ) .
قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ، ويلين القلب القاسي ، ويذهب الفرح بالدنيا ، ويهون المصائب فيها .قال أبو الدرداء : من أكثر ذكر الموت قلَّ فرحه وقلَّ حسده .
وقال سعيد بن جبير : لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد عليَّ قلبي .
وقال الأوزاعي : من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير ، ومن عرف أن منطقه من عمله قل كلامه .وقال ثابت البناني : ما أكثر أحد ذكر الموت إلا رؤي ذلك في عمله .
وقال ابن عجلان : من جعل الموت نصب عينيه لم يبال بضيق الدنيا ولا بسعتها .
وقال التيمي : ذكر الموت غنى .
وقال الحسن البصري : من أطال الأمل أساء العمل.
وقال بعضهم : من ذكر الموت هانت عليه الدنيا .
فاتقوا الله أيها المسلمون : وتزودوا من الأعمال الصالحة قبل هجوم هاذم اللذات ومفرق الجماعات .
قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ
الْغُرُورِ ) .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم