علمني حبك أن للورود أناملا تداعب لمسات الفجر الأولى
حتى يصحو بسلام ويبشر الكون بصباح ساحر لطيف،
علمني أن للجبال صوتا ينتظر ملامح الإله المشرقة
لينشد أعظم ترانيم الحب الجليلة
فتسجد الربوع وتسمو السنابل وتتهيأ للرقص
وتتهادى على ألحان قيثارة خضراء.
علمني أن الشمس لا تثبت في فضائها الواسع الرحيب
بل تطير كما الفراشات في ساعات انحناء الأصيل
وتسبح في الغمر الأزرق الشفيف وتنعم بالضياء.
علمني حبك أن الكروم لا تورق في الربيع،
حسبها ترقب بسمة من ثغرك حتى تتجلى عناقيدها
حكايات تلاعب أفئدة الأطفال وتغازل خفقات العاشقين.
علمني أن الأفق أول ما تراه عيناك الساهمتان
وآخر ما تريان، سماء سابعة تشرع نوافذها على رائحة الحياة.
علمني حبك أن بين الألف والياء لغة تمكنني من قول ما أريد
إلا أن خارجهما لغة أخرى تبلغك ما لا أقول،
وتجعل الليل ينطق فأصغي لصمتك يقولني.
علمني أن الخريف لا يخلف الصيف
بل ينطرح أرجوانه سنينا عديدة تبشر بأوراق تلتصق بالأرض،
تهيم فيها وتولد الحياة المتجددة، في قلب عاشق لا يمل من صمت الانتظار.
علمني حبك أن القديسين عشاق صنعهم الشاعر الأسمى
وصاغهم قصائد عشق وهيام، كلما هبت أرواحهم وفاض عطرها
ملأوا الكون دموع حبور تروي بيادر تتألق في زمان آخر.
علمني أن القلب لا يفهم دلالة المسافة ولا حنين الوقت
وأن الروح تسبح أبدا في الأثير وتعبر البحر منك وإليك،
وأن بعدك هو المسافة بين النفس والنفس
ودنوك أقرب من دمعة إلى غيمتها المسافرة إلى ظلها الأبدي.
علمني حبك أن للإله وجه يعبق بالقمح والخمر
كلما رنا إليه الفقراء شبعوا وكلما أدام المحبون النظر في طعمه ارتووا.
أهداني حبك سر المعرفة ويقين الكلمة، فتبعثرت كل الحروف على شطآن اللغة.
توغل في روحي عميقا وها إني طفلة على أكفك أتأرجح
بين الانتظار واللقاء، والبون والقرب، والعلو والعمق.