اصل التوكل:الاعتماد . تقول : توكلت على اللهتوكلاً، أي : اعتمدت عليه، هذا معنى التوكل .
وحقيقة التوكـل :أن يعتمد العبد على اللهسبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في مصالح دينه ودنياه مع فعل الأسباب المأذونفيها. فالتوكل : اعتقاد، واعتماد، وعمل.
أما الاعتقاد فهو :أن يعلم العبد أن الأمركله لله، فإن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن .
والله جل وعلا هو: النافع، الضار، المعطي، المانع. ثم بعد هذا الاعتقاديعتمدبقلبه على ربه سبحانه وتعالى، ويثق بهغاية الوثوق، ثم بعد هذا يأتي الأمر الثالث وهو: أنيفعل الأسباب المأذون فيها شرعًا .والتوكل على الله تعالى نوعان :
أحدهما :توكل عليه في تحصيل حظ العبد منالرزق والعافية وغيرهما.
وثانيهما :توكل عليه في تحصيل مرضاته .
فأما النوع الأول فغايته المطلوبة وإن لم تكن عبادة؛ لأنها محض حظ العبد، فالتوكلعلى الله في حصوله عبادة، فهو منشأ لمصلحة دينه ودنياه.
وأما النوع الثاني: فغايته عبادة، وهو في نفسه عبادة، فلا علة فيه بوجه فإنهاستعانة بالله على ما يرضيه. فصاحبه متحقق بـ ((إِيَّاكَنَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) (الفاتحة : 5) 1
وأما التوكل على غير الله تعالى فأنواع :
النوع الأول:التوكل على غير الله فيمالا يقدر عليه إلا الله من جلب المنافع ودفع المضار، وهذا شرك أكبر لأنه إذا كانالتوكل على الله من تمام الإيمان، فالتوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه غير اللهمن الشرك الأكبر، وهذا النوع هو المراد بقوله تعالى (وَعَلَىاللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ( .
وقال تعالى ))فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ(( [2] .
وقال تعالى: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَاذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَالصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَحَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ )) (سورة الأنفال : 4,3) .
النوع الثاني:أن يتوكل على حي حاضر من ملك أووزير أو مسؤول فيما أقدره الله عليه من رزق أو دفع أذى، وهذا شرك أصغر، بسبب قوةتعلق القلب بهذا الإنسان واعتماده عليه. أما إذا اعتقد أن هذا الإنسان سبب، وأنالله تعالى هو الذي أقدره على هذا الشيء وأجراه على يديه فهذا لا بأس به إذا كانلهذا الإنسان أثر صحيح في حصول المراد .
لكنَّ كثيرًا من الناس قد لا يمر على باله هذا المعنى ، ويكاد يعتمد على هذاالإنسان في حصول مراده .
النوع الثالث :الاعتماد على الغير في فعل مايقدر عليه نيابة عنه فهذا جائز دل عليه الكتاب والسنة والإجماع . لكن لا يعتمد عليهفي حصول ما وكّل فيه بل يتوكل على الله سبحانه وتعالى في تيسير أمره الذي يطلبهإما بنفسه أو بنائبه ولهذا لا تقول : توكلت على فلان إنما تقول : وكلت فلانًا. وقدوكل النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا في ذبح بقية بدنه في حجة الوداع [3]، ووكل أباهريرة – رضي الله عنه – على الصدقة، [4]ووكل عروة بن الجعد أن يشتري له أضحية5
أما الآية وهي قوله تعالى))وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُواإِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(( ، فقوله))وَعَلَىاللَّهِ فَتَوَكَّلُوا((
أي : لا على غيره، وهذا يفيد الحصر؛ لأن من طرق القصر عند البلاغيين تقدم ما حقهالتأخير،والأصل :
توكلوا على الله ، وقوله ))فَتَوَكَّلُوا(( هذا أمر يدل على وجوب التوكل، أي : اعتمدوا على الله جل وعلا، وفوضوا أموركم إليه.فدلت الآية على وجوب التوكل، وأنه من العبادات. وقوله))إِنْكُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ((، أي : إن كنتم مؤمنين بالله جل وعلا فعليه توكلوا.قال ابن القيم : (فجعل التوكل على الله شرطاً في الإيمانفدل على انتفاء الإيمان عند انتفائه فمن لا توكل له لا إيمان له [6]
وقال تعالى )وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَحَسْبُهُ (الطلاق : 3 .
وقولـه)فَهُوَ حَسْبُهُ(،أي : كافيه . ومن كان الله جل وعلا كافيه تيسرت أموره، ولامطمع لأحد فيه، وهو يدل على عظم شأن التوكل وفضله، حتى إنه لم يأت في أي عبادة منالعبادات أن الله قال : ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَىاللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ))إلا في مقام التوكل .
ومن فضيلة التوكل أيضاً : أن الله تعالى جعله سبباً لنيل محبته ، قال تعالى)إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (آلعمران : 159
ومن فضيلته أنه دليل على صحة إسلام المتوكل ، قال تعالى )وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْبِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِين)يونس : 94