بسم الله الرحمن الرحيم
تعظيم يوم الجمعة
الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الغفار، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله المصطفى المختار، صلِّ يا رب وسلم عليه وعلى الآل والصحب، وعلى المتبعين لهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد:
أيها الناس، أي يوم هذا؟ إنه يوم الجمعة، وما أدراكم ما يوم الجمعة! يوم عيد، سيد الأيام، يوم اختاره الله لنا ولم نخترْهُ لأنفسنا، يوم اختاره الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو منحة إلهية وعطية ربانية، خصنا الله به وأضل عنه اليهود والنصارى، فالحمد لله الذي اختار لنا خير الأيام، ولاختصاص أمتنا به؛ حسدتنا عليه اليهود؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنهم - أي: اليهود - لا يحسدوننا على شيء، كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها))؛ [رواه أحمد].
يوم الجمعة مُملوءٌ عظمة وروحانية، ليس في نهار الجمعة فحسب بل من ليلة الجمعة؛ حيث يشرع ليلتها الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله عليه الصلاة والسلام، وفجر الجمعة خير فجر؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة))؛ [البيهقي وصححه الألباني].
ولصلاة فجر يوم الجمعة خاصية حتى فيما يُقرأ فيها؛ حيث يُسنُّ قراءة سورتي السجدة والإنسان، يوم الجمعة وما أدراكم ما يوم الجمعة! يوم العظمة والأحداث العظيمة، خير يوم طلعت فيه الشمس، وفيه خُلق آدم وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، وفيه النفخة والصعقة، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة، وما من دابة إلا وهي مُصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس؛ إشفاقًا من الساعة.
يوم الجمعة ذكره الله في كتابه، وسميت سورة باسمه دون غيره من الأيام، يوم لا مثيل له في أيام الأسبوع؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة))؛ [رواه مسلم].
يا مؤمنون، يوم الجمعة هو يوم الزينة والتجمل، فتُشرع فيه النظافة والتجمل بأحسن زينة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اغتسل يوم الجمعة وتطهر بما استطاع من طهر، ثم ادَّهن أو مسَّ من طيب، ثم راح فلم يفرق بين اثنين، فصلى ما كُتب له، ثم إذا خرج الإمام أنصت - غُفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى))؛ [رواه البخاري].
ولأن يوم الجمعة يوم اجتماع للمسلمين؛ فإن النصوص النبوية تؤكد على التطيب ومس الطيب، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يهتمون بالتطيب يوم الجمعة؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يجمِّر ثيابه للمسجد يوم الجمعة، وكان ابن عمر إذا راح للجمعة، تطيب بأطيب طيب عنده.
يا كرام، سيد الأيام يوم الجمعة، هو يوم الاستباق في الذهاب والتبكير إلى الجمعة، فالمسلمون الطامعون برحمة أرحم الراحمين هممهم عالية في الحرص على التبكير يوم الجمعة، ومن سبق وبادر حاز على أجور عظيمة؛ روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يوم الجمعة، كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكةٌ يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طوَوا الصحف وجاؤوا يستمعون الذكر، ومثل المُهجِّر كمثل الذي يُهدي البَدَنَةَ، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كالذي يهدي الكَبْش، ثم كالذي يهدي الدجاجة، ثم كالذي يهدي البيضة))، يا عباد الله، هل يستوي من يتصدق ببدنة مع من يتصدق ببيضة؟ من المؤسف والحرمان أن تفوت هذه الأجور العظيمة بسبب كسل وعدم مبالاة، وإلا كيف يفوِّتُ مسلم هذه الأجور العظيمة؟ قال ابن مسعود رضي الله عنه: ((سارعوا إلى الجمعة؛ فإن الله يبرُزُ لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور، فيكونون في قرب منه على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا))، ترى يا عباد الله، لمَ يتأخر فئام من الناس عن الحضور إلى الجمعة؟
ألا فليكن يوم الجمعة يوم التقلل من أشغال الدنيا والضرب بالأسواق،
ومن الحرمان أن يضيع صباح يوم الجمعة بنوم إلى قرب الأذان.
ألا وإن من الأمور التي يسرها الله لنا أن يوم الجمعة يوم عطلة عن الأعمال الرسمية والأهلية، فيجد المسلم سَعَةً من الوقت للتبكير للمسجد، وكم حُرِمَ هذه النعمة مسلمون في بلاد لا تتوقف فيها الدراسة والأعمال يوم الجمعة، وتمنى المسلمون هناك لو كان يوم الجمعة يوم إجازة!
فهنيئًا للمبكرين يوم الجمعة؛ قال الإمام الغزالي: "وبالجملة ينبغي أن يزيد في الجمعة في أوراده وأنواع خيراته، فإن الله إذا أحب عبدًا، استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال، وإذا مقته، استعمله في الأوقات الفاضلة بسيئ الأعمال؛ ليكون ذلك أوجع في عقابه وأشد لمقته".
عباد الله، من شُكرِ الله الذي هدانا ليوم الجمعة أن نعظِّمَ يوم الجمعة، من شكر الله أن نهتم بيوم الجمعة.
لا سواء بين يوم الجمعة وغيره من الأيام؛ فأين المشمر ليحظى بفضائل يوم الجمعة؟ وربنا يقول ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 48].