الجنة تحت ظلال السيوف[1]
عن عبدالله بن أبي أَوفى - رضي الله عنهما - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض أيامه التي لقِيَ فيها العدوَّ، انتظر حتى مالت الشمس، ثم قام في الناس فقال: ((يا أيها الناس، لا تتمنَّوا لقاء العدو، واسألوا الله العافيةَ،، فإذا لقيتموهم فاصْبِروا؛ واعلموا أنَّ الجنَّةَ تحت ظلال السيوف)).
ثم قال: ((اللهمَّ مُنْزِل الكتاب، ومُجرِيَ السَّحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصُرنا عليهم)) رواه الشيخان[2].
:diamonds: :diamonds: :diamonds: :diamonds:
الحرب شرٌّ لا بدَّ منه، ولا يقدم الإسلام عليها إلا مضطرًّا:
الحرب شرٌّ لا بدَّ منه، قضية آمَن بها الناس جميعًا، ويزدادون إيمانًا بها كلما اتَّسع العُمرانُ وتنافَسَ الناسُ في هذه الحياة.
وأخرى آمنَ بها الناس كذلك - مُسلِمُهم وكافرهم - إلا أعمى أو مُكابِرًا، يَدمغُه الحق، فيولي صاغرًا، ويُدبِر مستكبرًا، قد ختَم الله على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، تلك هي: أنَّ الإسلامَ لا يتشهَّى الحربَ ولا يَتمنَّاها، ولا يُقْدم عليها إلا مُضْطرًّا؛ فهو دِين الهُدى والرحمة، والسلام والطمأنينة، والوَقار والسكينة؛ فإذا اعتَدى معتدٍ على كرامته، أو بغى باغٍ على حرمته، ردَّ العدوان بمثلِه، لا يَحيفُ ولا يَجور، ولا يَغدِرُ ولا يَخونُ؛ فإذا كفَّ الظالم، وثاب الآثِمُ، ورجَع المُعتدي، صافَحه الإسلام وعفا عنه، وأعاشه في كنفه وادعًا آمنًا مطمئنًّا على نفسه وماله وعِرْضه ودينه، يُدافِع عنه ويُقاتِل دونه، ويَرعى له من الحرمة والكرامة ما لا يرعاه أهل ملته، ولا يزال كذلك في بُحبُوحة الأمن والطمأنينة، حتى يغدر أو يفجر، فيُعلِنها الإسلام حربًا عَوانًا[3].
هنالك لا يجد الإسلام بدًّا من الأخذ بالحزم والعزم في معاقبة الباغين، وتأديب الطاغين، وإلا كانت رحمته ضعفًا، وعزته ذلاًّ، وشجاعته جبنًا، وتلك بعض الرذائل التي جاء لمحوها والقضاء عليها.
وهل يستطيع مُنصِف أن يقول: إنَّ الإسلام يشتهي الحربَ أو يدعو إليها في غير الضرورة التي لا محيصَ عنها؟ وهذه إحدى غزوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي نهى فيها عن تمنِّي لقاء العدو والاشتباك معه.
لم تُعرف على وجه التحديد هذه الغزوة[4]، ولكن الذي عُرفَ من سيرته - صلوات الله عليه - حتى أضْحى الجدلُ فيه عنادًا ومُكابَرةً، أنه ما خرَج لمُلاقاة قوم إلا بعد أن سَطَعت الأدلة على غَدْرهم ومكرِهم، وعملهم سرًّا أو جهرًا على هدم دعوته، ووضع العَقبات والعراقيل في طريقِها.
إيثار السِّلم على الحرب:
وكم احتمَلَ هو وأصحابه صابرين مُصابِرين من أذى لا يُحتمَل، وإعناتٍ لا يُطاق، في إيثار السلم على الحرب، والعفو على العقوبة، واللِّين على البطش والقوة، وفي موادَعةِ اليهود، وصُلحِ الحديبية، وفتح مكة، وكثير غير ذلك - شواهدُ صدق لما نقول.
وإذا كان الإسلام يَجنح للسلم إنْ جَنَحَ العدوُّ لها - ولو كان في جُنوحه هذا مخادعًا - فمِن العِناد والمُكابرة، بل من السُّخفِ والمُهاتَرة، أن يَرمي الإسلامَ أفَّاكٌ أثيم، بأنه مُتعطِّشٌ للدماء، أو معتدٍ على الأبرياء!
إعداد القُوَّة:
وإذا أمر الإسلام أهله بأن يُعِدُّوا لعدوِّهم ما استَطاعوا من قوة، فما ذلك إلا لإرهاب العدو، والحيطة منه، والحذر من كَيْدِه ومُداهمتِه؛ والأخذُ بالحزم والحيطة فضيلةٌ من الفضائل التي اجتمع العقلاء عليها، ومظهَرٌ مِن مظاهرِ القوة التي لا تَحيا أمة إلا بها.
ومما يُقطِّع القلوبَ حسرة، ويَفري الأكبادَ همًّا أن يأخذ أعداء الإسلام بهذه الحِيطة - ولا أقول: فضيلة - من بعد أن يَخدعُوهم ويرموهم بالتعصُّب، ويتوسَّلوا بهذه الفِرية إلى إضعافهم وتجريدِهم من كل حوْل وطَوْل، ثم لا يَتنبَّه المسلمون من بعد نومهم العميق إلا على فنون من القوة، وضروب من الرمي، تذهب بالصواب، وتطير بالألباب!