ليوم تشهد البقاع المقدسة أنهاراً مهيبة من البياض يعرفها سنوياً «جبل عرفات» ومع صادق الدعاء للحجاج أن يتقبل الله منا ومنهم، لماذا الحج عرفة؟ وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «الحج عرفة» للدلالة على أهمية هذا اليوم المشهود، أقسم به الله تعالى في القرآن الكريم: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) البروج.
قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: «اليوم المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة» .. وهذا العام اجتمعا معاً ما أدى إلى اعتبار مَن حج هذا العام محظوظاً. جبل عرفات أبعد المشاعر المقدسة عن مكة، ويوم عرفة من الأيام الفاضلة تجاب فيه الدعوات وتقال العثرات، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات. وهو يوم عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره.. ويعد يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق.. وشعائر هذا اليوم ممتدة تبدأ من صلاة الفجر في منى وينتظر الحجاج إلى شروق الشمس، ثم يسلكون طريقهم إلى عرفة مع التلبية ويقضون فيها النهار كله حتى غروب الشمس. يدعون الله ويذكرونه ويبتهلون مقتدين في ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي خطب خطبته الشهيرة في حجته الأخيرة حجة الوداع عام 10هـ. وفي حجة الوداع قام النبي صلى الله عليه وسلم بعمل مناسك الحج الصحيحة، وقال: «خذوا عني مناسككم»، كما ألقى خطبته الشهيرة «خطبة الوداع» التي أتم فيها قواعد وأساسات الدين الإسلامي.
وفي المناسك أمر بتعاون المسلمين على البر والتقوى والطاعة والانتهاء عما نهى الله عنه في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلَائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة.
سبب نزول الآية وقتها، كان المشركون يحجون ويعتمرون ويهدون فأراد المسلمون أن «يغيروا عليهم» أي يهاجمونهم.. فأنزل الله تعالى «لا تحلوا شعائر الله» وفسرت الشعائر بأنها جميع ما أمر الله به وجميع ما نهى عنه.. وفي هذا المكان قرأ علي بن أبي طالب سورة «براءة» ولها تسميات، وفي يومنا هذا نعرفها بسورة «التوبة» طلب النبي صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يبلغها عنه للبراءة، وبأن لا يحج بعد عام حجة الوداع أحد من المشركين.
بشكل عام، «التعاون بالبر قرن بتقوى الله، وفي التقوى رضا الله وفي البر رضا الناس.. من جمع بينهما تمت سعادته وعمت نعمته» وفقاً لبعض المفسرين.. والنهي عن التعاون على العدوان.. لأن فيه ظلم للناس، وهو غاية ما تحتاجه هذه الأمة في يومنا هذا، رفع الظلم المحيط بمنطقتنا وإدراك المسلم مسؤولياته ومنها وعيه بقيم العدالة.. وقبولها للآخرين وتشاركها معهم كما يحبها ويريدها لنفسه.. واعتباره وحدة كلمة المسلمين فيها نصر الأمة وفرقتهم فيها تقسيمهم وتمزيقهم.