منذ صغري تعودت أن ألقب بالفاشل، هكذا كان ينعتني أبي كلما ارتكبت خطأ و لو بسيطا، تلك الكلمة كان وقعها علي أشد من السياط الذي كان يلهب به أطرافي و أنا أقفز من فرط الألم كحبة بازلاء ألقيت في قدر يغلي، كل هذا على مرأى و مسمع من أمي التي كانت تتلقى نصيبها من الشتائم و الصفعات كلما حاولت التدخل لثنيه عن ضربي، لهذا اكتفت في نهاية المطاف بالنحيب و البكاء صحبة أخواتي الصغيرات حتى نهاية العرض المؤلم.
ظلت والدتي طوال الوقت بجانبي، لكن ما كنت أعيبه عليها استعمالها ذات اللفظ و بذات الأسلوب معي كلما أثرت غضبها بأفعالي الصبيانية، حتى صار لي وسما أنعت به بين أبناء الحي، في بادئ الأمر كان ذلك يثير غضبي فأضطر لمواجهة بدنية عنيفة أخرج منها منهزما على الدوام، فبنيتي الضعيفة ظلت دائما تخذلني أمام الخصوم من أقراني.
رغم كل هذا لم ينل الهوان من عزيمتي و بقيت على أمل أن أكون إنسانا ناجحا يوما ما، لكن ما عشته في المدرسة أثبت لي بما يدع مجالا للشك أن أبي كان على حق، فكنت أقضي السنتين و الثلاث في كل مستوى إلى أن استوفيت حقي في سنوات التكرار. خرجت إلى الشارع الذي كان في انتظاري كئيبا حزينا، و عدت إلى البيت أحمل اعترافا و إقرارا رسميا بأنني إنسان فاشل، لم تنفع توسلات أمي في ثني أبي عن طردي، فبالنسبة له لا يتحمل الإنفاق على شخص مثلي...
بعد تدخلات من الأهل و الجيران قبل أبي عودتي على مضض شرط أن ألتحق بإحدى الورشات لتعلم مهنة أعينه بمدخولها على تحمل مصاريف البيت. هذه المرة ترك لي الباب مفتوحا لاختيار المهنة التي تناسبني. احترت في أمري، فكانت النجارة هي أولى اختياراتي لكنها لم تكن آخرها، فقد تنقلت بعدها بين حرف أخرى من خياطة و حدادة... حتى التجارة كان لي فيها نصيب، غير أنني لم أنجح في أي منها، فلعنة الفشل لاحقتني طوال حياتي.
الشيء الوحيد الذي نجحت فيه هو الحصول على قلب فتاة جميلة كان تسكن بالجوار حيث محل البقالة الذي صرت أعمل به. مرت الأمور بسلام و قبل أهلها ارتباطنا للأبد، كان زواجي بها ليعتبر نجاحا باهرا لولا فشلي في اختبار الفحولة ليلة الدخلة، و لأنها تحبني اعتبرت الأمر وضعا عابرا بسبب الإرهاق، لكن توالي الخيبات كل ليلة وتر العلاقة، فنعتني في إحدى الليالي بالفاشل...
لخمس جلسات متتالية حاولت إقناع القاضي أنني لم أكن أرغب في قتلها، أيقتل الإنسان أول شخص بادله الحب بصدق؟ كنت فقط أرغب في تهديدها حتى لا تتعود نعتي بالفاشل، لم أكن لأطيق تكرار السيناريو الذي عشته في طفولتي، لم أشعر إلا و السكين مغروزة في قلبها حين اندفعت نحوي محاولة الإفلات مني و هي تردد : " فاشل فاشل فاشل..."
أنا الآن أصعد السلالم، يذكرني حبل المشنقة هناك في الأعلى، بالسوط الذي كان يصر أبي على تعليقه في غرفتي على الحائط المقابل لسريري، كما أن شكله الدائري يشبه بشكل كبير الصفر الذي تفنن أساتذتي في تزيين دفاتري به، فكان أبرز علامة تكررت في حياتي، و آخر شيء أشاهده من دنياكم.