لم تتغير نظرة الحزن في عينيها في أي مكان تجلس فيه ومع أياً كان؛ سواء كانت في المنزل أو في الخارج، أكانت بين أفراد عائلتها أو غيرهم؛ كان الحزن العميق يستحوذ على روحها المريضة من كثرة الأحزان. كان الأسى يزداد مع ازدياد العتمة والظلام في المساء فيخلد الجميع للنوم وينامون فتستيقظ الجروح التي سبَّبتها لها الأيام والظروف. كانت الحمامة التي تمكث على العش بجانب نافذتها تعرف وجعها أكثر من أي كائن آخر فوق البسيطة وليس هذا فحسب بل تتمنى هذه المخلوقة البريئة الرقيقة لهذه الفتاة النجاة من بحر الحزن الغارقة فيه؛ ولكنها لا تملك سوى أن ترفرف بجناحيها البيضاء وتطلق هدير مواسياً يتمازج مع هسهسة الليل؛ وقد يكون ذلك أكبر مواساة من حمامة للفتاة التي ما عادت تنتظر في هذه الحياة غير الموت ليسدل الستار عن مسرحية حياتها الكئيبة والتي لطخها الأوغاد باللون الرمادي القاتم. من يراها ممن يبحث عن المظاهر يقول في نفسه كم هي بشعة ومعتوهة!. أتنتظرون من زهرة الخلنج أن تزهر وقد نبتت بين الوحل والطين وليس هذا فقط بل تظللها أيضاً سماء الحياة الرمادية الشاحبة؟.
كان يجب على هذه الفتاة أن تضع روحها وجسدها المتعب الخائر القوى في أرضٍ قفر تحت شمس ساطعة وساخنة ويكون أمامها احتمالان لا ثالث لهما، وهما: اِما أن تتبخر كقطرات الندى وتهلك من حرارة الشمس الحارقة أو تجد عن طريق الصدفة والحظ والتوفيق واحة غناء وبركة مياه عذبة فتضحك لها الأيام وتبتسم. أُقسم بالله أنني لا أعرف هذه الفتاة ولكني أعلم أنها موجودة في مكان ما وأسمع نحيبها عبر الرياح الهائمة في الفضاء ويصل اِلي أيضاً عن طريق طنين النحل وأزيز الفراشات وخرير ماء النبع. وأعلم جيداّ أن أية ضربة جديدة ستقتل الفتاة فارحموها لأنها كالعصفور في رقته وأحلامه البريئة الساذجة. لا تريد هذه الفتاة شيئاً من أحد. تحتاج الفتاة فقط مقداراً قليلاً من السعادة وجرعة بسيطة من البهجة والكثير الكثير من النوم الهانىء المطمأن والقليل القليل من الناس. لا تريد أن ترى الناس في أحلامها واِلا استحالت أحلامها اِلى كوابيس؛ جل ما تريده أن ترى في أحلامها العصافير والفراشات والنحل والحمام والمطر والينابيع؛ هي بلغت من العلم أن الناس هم سبب شقاءها وجروحها الغائرة. ربما ما سيجعل الفتاة تتماثل للشفاء هو حديقة فسيحة ومنزل صغير وعالم واسع لأجلها فقط؛ وذلك لا يتحقق اِلا في الجنة أو في الخيال.