حذيفه العرجي
لم يبقَ شَطٌّ إليهِ ترجعُ السُفُنُ
ولا مطارٌ.. عليهِ يهبطُ الشَجِنُ
لا شيءَ إلا أمانينا تُصبّرُنا
الحمد لله.. لا أهـلٌ ولا وطـنُ!
خُذلتِ يا شامُ، يا أُمّي ومُرضعتي
ومسقِطَ الحُبِّ.. ماذا يا تُرى الثمنُ؟!
إني لأخجلُ من أنّي بقيتُ على
قيد الحياةِ.. وأمّي لفّها الكفنُ!
بمَ التعللُ؟ قلبي صارَ يُنكرُني
سلّم على الموتِ فيهِ العَيشُ والسَكنُ
فكيفَ أحيا وتحتَ الأرضِ أوردتي
وفي الترابِ مِنَ الأحبابِ لي مُدنُ
وأينَ أذهبُ.. كل الأرضِ تُرفُضنا
وتزدرينا، وكلُّ الأرضِ تمتَهنُ
ونحنُ من نحنُ؟ نحنُ الشمسُ فوقهمُ
ونحنُ ما نحنُ؟ نحنُ العينُ والأذُنُ
كلُّ الخرائطِ جزءٌ من خريطتنا
فكيفَ تعلو على أسيادها الجُبُنُ؟!
يا أيُّها الموتُ ما أحلاكَ من وطنٍ
لمن أتاكَ شهيداً جرحهُ الوطنُ!
ودعتُ حِمص وقلبي في أزقتها
وذكرياتي وروحاً عافها البدنُ
وسرتُ أشكو لربي ضيقَ دامعتي
عمّا بنفسي.. ومالا يُنصِفُ الحَزَنُ
كلُّ الذينَ تأملنَا بنُصرتهم
لنا، تخلّوا.. فسجّل أيُّها الزمنُ
أهلُ الفنادقِ لا عزّت كروشهُمُ
يزدادُ فيهم غباهُم كلّما سَمِنوا
ويقلقونَ صباحاً بعدما رقدوا
ويقلقونَ مساءً إن هُمُ سكنوا
يستنكرونَ على الشاشاتِ مجزرةً
وكلُّهم بدماها كفّهُ دَرِنُ
يا تاركَ الفرضِ مُستغنٍ بنافلةٍ
واللهِ يومَ اللقا لا تشفعُ السُننُ
يا شامُ لو كانتِ الأحلامُ تُنقذُنا
كُنّـا حَلِمنا ولكن كلُّها دَخنُ
فكانَ لا بُدَّ من حربٍ نُعيدُ بها
عصرَ النبيِّ.. وفيها تُدرأُ الفتنُ
نريدُ أن ترجعَ الدنيا لقبضتنا
أن يُعبدَ اللهُ لا أن يُعبدَ الوثَنُ
نُريدُ أن نُرجِعَ الأمجادَ دولتها
أيامَ كنّا يداً تنأى بها المِحنُ
أيامَ إن عارضت صنعاء عارضةٌ
صاحت دمشقُ وبغدادٌ هنا اليمنُ!
الفرحُ ما كانَ لولا قبلَهُ حَزَنُ
والسرُّ ما طالَ إلا بعدهُ علنُ
والطفلُ مهما لهُ قدّمتَ من اُكُلٍ
يظلُّ أطيبُ شيءٍ عندهُ اللبنُُ
لذا أحنُّ ومثليّ كلُّ مُمتَهَنٍ
إلى الزمانِ الذي مافيهِ مُمتَهنُ
فكيفَ أسكنُ بيتاً أطمئنُّ بهِ
وطفلةٌ في بلادي ما لها سكنُ
وكيفَ ألتذُّ أو أهنا بمائدةٍ
ويُشتهى في بلادي الخبزُ والجُبُنُ
يا طائراتُ اقصفي، يا أُمّةُ امتعضي
يا ساسةُ استنكروا، يا قومُ لا تَهِنوا
تكفَّلَ اللهُ فيكم للنبيِّ فلا
خوفٌ عليكم منَ الدنيا ولا حَزَنُ
الأرضُ مهما لنا في الغربةِ اتسعت
يظلُّ أرحبَ من أرجائها الوطنُ