أَحبُّ البلاد إلى الله مساجدُها
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أَحَبُّ البلاد إلى الله مساجدُها، وأبغضُ البلاد إلى الله أسواقها))؛ رواه مسلم[1].
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: المساجد بيوت الله تعالى؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ﴾ [الجن: 18]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله))[2]، قال العلماء - رحمهم الله تعالى -: وهذه الإضافة إضافة تشريف؛ اهـ، والمساجد أفضل البقاع في الأرض، قال النووي - رحمه الله -: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها))؛ لأنها بيوت الطاعات، وأساسها على التقوى، ((وأبغض البلاد إلى الله أسواقها))؛ لأنها محل الغش والخداع والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه...والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها[3].
الفائدة الثانية: لِمَا للمساجد من المنزلة الكبيرة كان من الواجب تعظيمها والعناية بها على عموم المسلمين، وأول ذلك إقامتها في مواضعهم التي يسكنونها ويجتمعون فيها؛ فقد بادر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء مسجده أول ما هاجر إلى المدينة، وحث على بنائها وبيَّن فضله بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، بنى الله له مثله في الجنة))؛ متفق عليه[4]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18]، ويدخل في الآية عمارتها المادية، وعمارتها المعنوية بالصلاة والذكر وقراءة القرآن، ونحو ذلك من الطاعات، ومن ذلك العناية بنظافتها، وتجنُّب تقذيرها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((البزاق في المسجد خطيئةٌ، وكفَّارتها دفنها))؛ متفق عليه[5]، وحيث لا يمكن الدفن فالكفارة إزالة ذلك القذر، كما حك النبي صلى الله عليه وسلم البصاق من جدار المسجد[6]، ومن تعظيم المساجد: تجنُّب التشويش على المصلين أو القارئين برفع الصوت، سواء أكان ذلك بكلام معتاد ومحادثة، أم كان برفع الصوت بالقراءة بحيث يؤذي مَن بجانبه؛ فعن البياضي الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: ((إن المصليَ يناجي ربه، فلينظر بم يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن))؛ رواه مالك وأحمد[7].
الفائدة الثالثة: مِن تعظيم المسجد أن يُدخَل إليه بالرجل اليمنى، ويقال عند الدخول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك))؛ رواه مسلم[8]، ويقال أيضًا عند الدخول ما ثبت في حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم))؛ رواه أبو داود[9]، ويقال عند الخروج ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم - في الحديث السابق - فقال: ((وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك)).