فيا عِباد الله، اتَّقوا الله -تعالى- واشكُروه على ما أنعَمَ به عليكم من نِعَمٍ كثيرة، واحذَرُوا من الإسراف، والإفراط في المآكِل والمشارب، والملابس والمراكب؛ فإنَّ ذلك يدعو إلى الفخر والخيلاء، والكبر وكُفر النعمة، وإضاعة المال، والانشغال عن طاعة الملك العلام، فقد أصبح ذلك همَّ الكثير من الناس، وموضع التنافس والمغالاة فيما بينهم، ومن الأمثلة على ذلك ما يحصل من نفقاتٍ خياليَّة في مناسبات الزواج؛ من ملابس، وخرق يتعالى في أثمانها، قد لا تُلبَس إلا في هذه المناسبة، وما يحصل في هذه المناسبات من ولائم لا يحسب لها حساب، من ذبح الإبل والغنم، التي أصبحت تغذى وتسمن بطعام البشر، ثم يكون مصير الكثير منها طرحه على الشَّجر، وفي الصحاري، وفي الأماكن القذرة، والطرقات.
اتَّقوا الله، وتذكَّروا أحوال آبائكم وأجدادكم وأحوال مَن مرَّ به شيء من قلَّة العيش منكم، حينما كان يتمنَّى شبع بطنه من الشعير والدقيق، الذي أصبح بأرخص الأثمان، وطعامًا للمواشي التي تسمن بهذا الطعام، وتذبح وترمى، واعلَموا أنَّ الكثير من هذه الحبوب والأطعمة التي تغذون بها المواشي تأتي من بلادٍ يموتُ الكثير من أهلها جوعًا، ويمشون شِبه عُراة من قلَّة النقود والأعمال، يتمنَّى الكثير منهم أنْ يجد عملاً بما يملأ بطنه ويستر جسمه، وقد كان من آبائكم وأجدادكم بل من شيبكم من مرَّ عليه شيءٌ من ذلك، ولكنَّ الغفلة والتناسي، والانشغال بأمور الدنيا، والانخداع بملاذها وزخارفها - أنسَتْ ذلك الذي مرَّ، وألهَتْ عن تذكُّره، وانشغلت عن معرفة أحوال مَن يُقاسِي شيئًا من ذلك في الحاضر.
عباد الله:
تذكَّروا حال مَن مضى ممَّن أصابه شيءٌ من قلَّة العيش، وتعرَّفوا على أحوال مَن بقي في كثيرٍ من البلدان، وما أصاب البعض منهم من حُروب ودَمار، وتشريد أطفال، ونساء، وشيبان، يقاسون شدَّة البرد، وحرَّ الشمس، وألم الجوع والعطش، وقلة الكساء، والفراش، والغطاء، وفقد الآباء والأولياء.
فتذكَّروا يا عِباد الله، اتَّعظوا وارجِعوا إلى ربكم واشكُروه على ما أسبغ عليكم من نعم، واعرفوا قدرَها واحذَرُوا الإسراف والتبذير، واعلَموا أنَّ الدولة - وفَّقها الله - تُنفِق مئات الملايين لتوفير الأطعمة في البلاد، وبأقلِّ الأثمان، وأنَّ ما تدفعونه من ثمنٍ إنما هو جزءٌ يسيرٌ من قيمتها الحقيقيَّة، وباقيه تدفَعُه الدولة، فلا تضيعوا الأموال وتكفُروا النعمة، دعوا الإسراف في الولائم، واعملوا منها بقدر ما يُؤكَل، ولا تُبذِّروا الأموال وتفسدوها؛ فقد جعَلَها الله لكم قيامًا؛ يقول الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26-27].
فاشكُروا الله يا عِباد الله على ما أنتم فيه من نعمة أمن واطمئنان ورغد عيش، واحذَرُوا من كُفر النِّعَم، فيُصِيبكم مثلَ ما أصاب غيركم ممَّن كفَر بنعم الله، تناصَحُوا فيما بينكم، وتذكَّروا وذكِّروا مَن جَهِلَ؛ فإنَّ الدين النصيحة، وتعاونوا على البر والتقوى؛ لئلا تحلَّ العقوبة فتعم الجميع، احذَرُوا الخُيَلاء والتَّباهِي في هذه الأمور، فإنَّ عاقبة ذلك وخيمة، فاعقِلوا وتعقَّلوا، وتآمَروا وتناهوا؛ فإنَّ ذلك من أسباب النجاة والسلامة، وإنَّ الإعراض والغفلة من أسباب الهلاك والندامة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].